سيّد المسلمين

– قال رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم): «خُذُوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى حذيفة» رواه أحمد والترمذي.

– إنه سيّد القراء، وفقيه الصحابة، وكاتب الوحي، وكاتب رسائل النبي وأبي بكر وعمر.

إنه الزاهد، مستجاب الدعوة، العلّامة، جامع القرآن

وأول مَن صلَّى إمامًا لصلاة التراويح

– كان عالمًا متبحّرا، وفقيهًا، ونبعًا عذبا من الرؤى والأفكار والثقافة، والإحاطة بالديانات السابقة، ولذا كان شوكةً في حلق اليهود، وحائط صدٍ منيعٍ، أمام أفكارهم وخُبثهم وأقاويلهم..

قال عنه فاروق الأمة عمر بن الخطاب: “أُبَيّ بن كعب، سيّد المسلمين”

– روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك: «قَالَ النَّبِيُّ لأُبَيٍّ بن كعب: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أن أعرِض عليكَ القرآن، قَالَ أُبَيّ: وهل ذُكِرتُ لك بـ اسمي؟! قَالَ النبي: نَعَمْ، بـ اسمك ونسبك في الملأ الأعلى؛ فَبَكَى أُبَيّ»

– هو أُبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي،

له كُنيتان: أبو المنذر؛ كنّاهُ بها النبي، وأبو الطفيل؛ كنّاهُ بها عمر بن الخطاب بـ ابنه الطفيل، وأمه صهيلة بنت النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري .

وكان «أُبيّ» أبيض الرأس واللحية لا يُخضّب شعره،

أُبَيّ بن كعب أقرأ الأمّة:

شهد له الرسول بأنه أقرأ الأمّة؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدّهم في أمر اللهِ عُمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أُبَيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمةٍ أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح»

كان أُبيّ بن كعب من فقهاء الصحابة، وكان من كُتَّاب الوحي، ومن أفضل قرّاء القرآن، وهو أحد الاثنا عشر الذين بايعوا الرسول، في بيعة العقبة.

– أُبَيّ بن كعب، هو أول من كتب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد وصوله المدينة، وهو أول من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان، وكان أُبَيّ إذا غاب، دعا رسول الله “زيد بن ثابت” ليكتب.

أول خليفة للنبي في إمامة المسلمين في الصلاة

في صحيح مسلم بسنده عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول الله: «يا أبا المنذر، أتدري أي آيةٍ من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر، أتدري أي آيةٍ من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلتُ: «اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ». قال: فضرب في صدري وقال: «وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ».. وقول النبي: «ليهنك العمل يا أبا المنذر» يعني لتهنأ بهذا العلم الكثير الغزير، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يثني عليه وعلى كثرة علمه، وعلى فهمه في كتاب الله تبارك وتعالى.

وقد جاء في الحديث: «أقرؤكم أُبَيّ» وقد أسند إليه النبي صلى الله عليه وسلم مهمة تعليم الوفود القرآن وتفقيهها في الدين، وكان النبي إذا غاب عن المدينة يستخلفه لإمامة المسلمين في الصلاة.

أُبيّ بن كعب، مستجاب الدعوة

شهدَ «أُبَيّ بن كعب» مع عمر بن الخطاب، وقعة الجابية، وقد خطـب عمر بالجابية فقال: (أيها الناس من كان يريـد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أُبَـيَّ بن كعـب).

رويَ عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال عمر بن الخطاب: (اخرجوا بنا إلى أرض قومنا). قال: فخرجنا فكنت أنا وأُبَيّ بن كعب، آخر الناس، فهاجت سحابة، فقال أُبَيُّ: (اللهم اصرف عنّا أذاها) فلحقناهم وقد ابتلّت رحالهم. فقال عمر: (أمَا أصابكم الذي أصابنا؟). قلت: (إن أبا المنذر دعا الله عزّ وجلّ أن يصرف عنّا أذاها)… فقال عمر: (ألا دعوتُمْ لنا معكم؟!).

أول من أَمَّ الناس في التراويح

كان فاروق الأمة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يجلّ أُبَيَّ بن كعب، ويستفتيه في القضايا، وقد أمره أن يجمع الناس فيصلي بهم في المسجد صلاة التراويح في رمضان، وقبلها كان يصلي كل إنسانٍ وحده.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلَّى التراويح في جماعة ثم ترك الاجتماع عليها؛ مخافة أن تُفرَض على أمّته، كما ذكرت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) في صحيح البخاري.

ثم استمر المسلمون، بعد ذلك يصلون صلاة التراويح كما صلاها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكانوا يصلونها كيفما اتفق لهم، فهذا يصلي بجمع، وذاك يصلي بمفرده، حتى جمعهم عمر (رضي الله عنه) على إمامٍ واحدٍ يصلي بهم التراويح، وهو “أُبَيّ بن كعب”

روى البخاري في «صحيحه» عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع – أي جماعات متفرقة – يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط – الجماعة من الرجال – فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قاريءٍ واحدٍ لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على “أُبَيِّ بن كعب”

ورَوَى سعيد بن منصور في «سننه»: أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جمع الناس على أُبيِّ بن كعب، فهو أول إمامٍ للتراويح.

جامع القرآن

قال أنس بن مالك: جمعَ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي.

وقال ابن عباس: قال أُبَي بن كعب لـ عمر بن الخطاب: إني تلقَّيتُ القرآن ممن تلقّاه من جبريل (عليه السلام) وهو رطب.

أعلم الصحابة بكتاب الله

لقد كان أُبَيٌّ (رضي الله عنه)، من أعلم الصحابة بكتاب الله ، فضلًا عن أنه رضي الله عنه، كان من كُتَّاب الوحي، ومن المقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي جعله على حظٍ وافرٍ من العلم بأسباب النـزول وعلوم القرآن الأخرى، كالناسخ والمنسوخ، والمقدّم والمؤخّر ونحو ذلك.

ونظرًا للمكانة التي حظيَ بها فقد عُدَّ رضي الله عنه من المكثرين في التفسير، ومن المعوَّل عليهم في فهم كتاب الله، تبيانًا لمعانيه وكشفًا لأسراره.

وكان (رضي الله عنه) واحدًا من الستة أصحاب الفُتْيَا الذين أذن لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالحُكم في حوائج الناس، وفضّ المنازعات التي تحدث بينهم، وردِّ المظالم إلى أهلها، وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، وزيد بن حارثة، وأبو موسى الأشعري.

– قال أبو نضرة العبدي: قال رجلٌ منا يقال له جابر، طلبتُ حاجةً إلى «عمر» وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر، يقول: إن الدنيا فيها بلاغنا، وزادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، فقلتُ: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيّدُ المسلمين «أُبَيّ بن كعب»

– عن الطفيل بن أَبَي بن كعب، عن أبيه قال: «كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا الله، يا أيها الناس اذكروا الله، يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه»، فقال أُبَيّ بن كعب: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك منها؟ قال: «ما شئت»، قال: الرُبع؟ قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خيرٌ لك»، قال: النصف؟ قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خيرٌ لك»، قال: الثلثين؟ قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير»، قال: يا رسول الله، أجعلها كلها لك؟ قال: «إذن تُكفَى همّك، ويُغفر لك ذنبك».

وكان (رضي الله عنه) لا يخاف في الله لومة لائم، وكان من الذين لا يطلبون من الدنيا عرضًا، فليس لها نصيب في قلوبهم، فعندما اتسعت بلاد المسلمين ورأى الناس يجاملون ولاتهم في غير حقٍ قال: هَلكوا وربِّ الكعبة، هَلكوا وأهلكوا، أما إني لا آسَى (أحزن عليهم) ولكن آسَى على من يهلكون من المسلمين.

وكان أبي بن كعب ورعًا تقيًّا يبكي إذا ذُكرَ الله، ويهتز كيانه حين يرتّل آيات القرآن أو يسمعها، وكان إذا تلا أو سمع قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: 65] يغشاه الهم والأسى، ويهتز جسده كله.

وجاء اليوم الذي كان يخشاه

كان أكثر ما يخشاه «أُبَيّ» على الأمة المسلمة أن يأتي عليها اليوم الذي يصير بأس أبنائها بينهم شديدا، ولكن هذا اليوم جاء يا أُبَـيّ ، وأصبحت الأمة تعيش أسوأ أيامها، وأحلك فترات تاريخها، وستظل كذلك حتى يقضيَ اللهُ أمرًا كان مفعولا ،

من دُرَر أقواله:

– تعلموا العربية كما تعلّمون حفظ القرآن.

– الصلاة الوسطى صلاة العصر.

– ما ترك عبدٌ شيئًا لا يتركه إلا لله، إلا آتاه الله ما هو خيرٌ منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه.

– قال له رجل – ذات يوم – أوصني: فقال له أُبَيُّ: اتخذ كتاب الله إمامًا، وارض به قاضيًا وحكمًا، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع، مطاع، وشاهد لا يُتهم، فيه ذكركم وذكر مَن قبلكم، وحَكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم. [أبو نعيم].

وفاته

كانت مكانة “أُبَـيّ بن كعب” عظيمة، ومنزلته سَامِية، وفضله كبيرا، ولِـمَ لا وهو الذي اختاره الله عزّ وجلّ ليكون محل تعليم رسول الله لأصحابه، والصحابي الذي طلب الله عز وجل من رسوله أن يعرض عليه القرآن

فهل توجد مكانة لبشريٍّ أعظم من ذلك، ومنزلة أسمى من ذلك

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما مِنْ شيءٍ يصيب المؤمن في جسده إلا كفَّرَ اللهُ عنه به من الذنوب ) فقال أُبَي بن كعب: (اللهم إنّي أسألك أن لا تزال الحُمّى مُضارِعةً لجسدِ أبَيّ بن كعب حتى يلقاك، لا يمنعه من صيامٍ ولا صلاةٍ ولا حجٍّ ولا عُمرةٍ ولا جهادٍ في سبيلك) فارتكبته الحُمّى فلم تفارقه حتى مات، وكان في ذلك يشهد الصلوات ويصوم ويحج ويعتمر ويغزو.

تُوُفـيَ (رضي اللـه عنه) سنة 30هـ، يقول عُتيّ السعـديّ: قدمتُ المدينة في يـوم ريحٍ وغُبْـرةٍ، وإذا الناسُ يموج بعضهم في بعـض، فقلتُ: ما لي أرى الناسَ يموجُ بعضهم في بعض؟ فقالـوا: أغريبٌ أنت؟ قلتُ: نعم ،

قالوا: مات اليوم سَيّدُ المسلمين «أُبَيّ بن كعب».

………….

المصدر:

موسوعة (شُموسٌ خَلْفَ غُيومِ التأريخ – يسري الخطيب)

من يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - رئيس القسم الثقافي