يقول الكاتب الصحفي صلاح منتصر في مقال له بجريدة الأهرام القاهرية ( 19/9/2017 ) :

ومن يقرأ المشروع لابد أن يسأل هل هدفه التخلص من الإخوان ؟

 وهو أمر خطير خصوصا إذا تصورنا صدوره من دولة راسخة الجذور لها دساتير تحكمها منذ عام 1923 أى أنها على وشك الاحتفال بمرور مائة سنة على أول دستور لها ، وجميع هذه الدساتير تؤكد أن «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية » ( مادة 6 من الدستور الحالى )

وبالتالى فالجنسية المصرية ليست منحة تعطيها الدولة لشخص وتنزعها عنه وإنما هى حق له ترتبط به مثل اسمه . وحتى الدول المحتلة لمصر لم تستطع سحب جنسية عرابى أو سعد زغلول وإنما أمرت بنفيهما خارج البلاد، أما الجنسية فلم تستطع المساس بها .

وعلى فرض سحب جنسية مواطن فماذا يفعل ؟

هل له حق الإقامة فى مصر وكيف؟

 أم يهاجر دون جنسية ويلجأ إلى الدول التى تعادى مصر ؟
فى كل دولة قوانين تثبت قوة الدولة فى تنظيم سلوك مواطنيها ومعاقبة الخارجين بعقوبات تتدرج من الحبس إلى الإعدام ، ولهذا لا أتصور ضعف الدولة إلى حد سحب جنسية مواطن . فمصر أقوى من ذلك بكثير فلا تستضعفوها إلى هذا الحد الذى لا تستطيع أن تضبط فيه سلوك مواطنيها حسب القوانين المعتادة !

من الغريب أنه كان هناك مشروع منذ أسابيع يقترح بيع الجنسية المصرية ، فأيه الموضوع بالضبط : حتبيعوا والا تسحبوا ؟

 

 

ونقول :

 يبدوا ارتباط موضوع منع الجنسية أو سحبها أو ما يسمى في بعض الدول قضية” البدون” وكأنها مشكلة محلية قد تشيع في الأنظمة الوراثية أكثر من الأنظمة الجمهورية وهو بالمناسبة نظام للعقاب تعتمده دول الخليج

وفي حقيقة الأمر أن تلك القضية تعكس نظاما عالميا قام من زمن بوضع الحدود بل وأصل لصراعات الدول من خلال هذا النظام ورغم وجود ميزات فيه لكن له عيوبا كثيرة وظاهرة

 فصارت الدول لها حدود صارمة ولها مواطنين يسكنون تلك الحدود ولا يجوز لهم الخروج عن هذه الحدود ولا دخول آخرين إليها دون إذن مسبق وتأشيرات وقيود على التملك وخلافه وتقوم النزاعات دفاعا عن شبر من الأرض بدعوى الحفاظ على الوطن بينما يموت المواطن تحت عجلات النظام وفي سجونه ولا يعبأ أحد به وهو أصل الوطن

 وفي الإسلام الذي جاء برسالة عالمية لم يقصر الحقوق على المولودين في بلد ما وإنما وسع تلك الحقوق لتصان للإنسان حيث كان وحيث يرغب في الإقامة في مكان ما

 و تشمل تلك الحقوق حرية الإقامة والمحافظة على النفوس وحريتها والذريات والتابعين لهم وحفظ الأموال والممتلكات وكافة حقوق الشخص والأسرة المادية والأدبية

فقضية المنح والمنع هي من أكبر إشكاليات هذا النظام نظام المواطنة والجنسية وما يتبعه من منح ومنع الجنسيات ومع ذلك فقد نصت القوانين والمواثيق العامة والمحلية ومواثيق حقوق الإنسان ( إضافة لما أشرنا إليه إسلاميا )  على حفظ هذه الحقوق من عدم المساس بجنسية المواطنين ومن عدم إلجائهم إلى مغاردة أراضيهم فضلا عن مواثيق حفظ حقه في العمل والتملك وحرية الانتقال وحرية إبداء الرأي  

لكن المعروف أن النظام المصري بعد انقلاب 2013 لم يدخر وسعا في الانتقام من معارضيه وسلب حقوقهم بكل السبل

بدأ من تجاوز العملية السياسية وفرض رؤية نظام الانتفاع المتساند بين الأقليات المنتفعة ( الجيش والشرطة ومن يتبعها ..) فتم الافتئات على العملية السياسية وعلى إرادة الشعب بدعوى قيام ثورة ضد النظام المنتخب الذي أسقط بقوة السلاح واقتيد الرئيس المنتخب وحكومته ورئيس برلمانه وكثير من المعارضين للسجون دون تهم حقيقية وأيضا بدون أية ضمانات لمحاكمات حقيقية

 وهذا متوقع من انقلاب يعرف جيدا مدى التزوير والتدليس الذي قام به  بل التسريبات تشهد بكثير من الجرائم التي تتضح بها صورة التدليس وتغيير أماكن الاحتجاز واللعب في الأوراق الرسمية وتبرير الاعتداء على سلطة الرئيس المنتخب

من بعدها بدأت مرحلة استباحة الدماء في مجازر مثل الحرس والمنصة ومثيلاتها ثم بعد ذلك توجوا جرائمهم بمذابح القرن الأشهر : رابعة والنهضة وتوابعها

وحتى وصل الأمر إلى التصفيات في السجون وخارج أسوارها دون المرور حتى بأي نظام قانوني أو قضائي

واستمرت الاستباحة فضموا إليها استباحة الأموال والممتلكات وتكوين لجان لهذه الجريمة وكأن من أجرم في جريمة يباح أخذ ماله مع استمرار عقوبات بدنية ونفسية أخرى

ومن ثم التطور الطبيعي لهذه الاعتداءات التي لا تجد من يحجزها أو يوقفها عند حدها : الاعتداء على وجود المعارضين ونزع جنسيتهم كنوع جديد من التنكيل ليضحي المرء بعدها – من وجهة نظرهم – أهلا لكل نزع للحقوق وإبعاد من البلاد

لذا فكل ما كتبه الكاتب وارد حدوثه هنا كما صاغه في التساؤلات عن محل الإقامة وعن الطرد من البلد والإلجاء لى مغادرة البلاد و بالطبع التخلي عن / أو مصادرة  الممتلكات ومتعلقات ذلك من تشرد الأسر والزوجات وعدم أحقية الأبناء في اٌقامة أو الدراسة. ولن يكون مقصورا بالطبع على الإخوان-  وإن كان هو أدرك هذا بنفسه وهو كاتب مؤيد للنظام- وإنما ينسحب على كل معارض لهذا النظام بما يمثل سابقة خطيرة في الجرائم بحق المواطنين ..

وبخلاف نزع الجنسية والاعتداء على أموال الناس فإن الحكومة التابعة للنظام تسعى للبحث عن أية مصادر للدخل تعوض به فشلها في دفع البلاد للاستقرار فضلا عن النهوض والتعافي فلا مانع لديها من منح الجنسية كسلعة تباع بنفس الجرأة على نزعها من أصحابها

الخلاصة : ستظل قريحة هذا النظام توسوس له بكل إيذاء لكل من يقف ضده حتى من الذين انخدعوا به وأيدوه

ولن تكون هناك سلامة للوطن ولا للمواطنين إلا حين يزول هذا النظام وفلوله ويتم اعتماد نظام حقيقي ومنتم للبلد ولمصلحته بشكل صحيح

 نظام يحفظ للجميع حقوقهم وليس  ذلك ببعيد إن نهض الشعب مطالبا بحقوقه