تصريحات المسئولين الأمريكيين بعد تقاعدهم ربما تشكل لحظة صحو ضمير سلطوي ميت.. فجأة صحا السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد بعد استقالته، ليقول إن أمريكا أعطت الشعب السوري أملاً زائفاً بالدعم والمساندة ثم التخلي عنه، ويكشف فورد في مقابلته الصحافية المطولة، التي نشرت له بعد استقالته، عن أنه آخر ما توقع هو أن تدخل إيران وحزب الله في سوريا ليقاتلا إلى جانب النظام السوري، وعن تعامل لافروف مع كيري إبان أزمة الكيماوي، قال فورد إنه كان يعامله كطفل.

تزامنت تلك التصريحات يومها مع حديث لرئيس الهيئة العليا للتفاوض الدكتور رياض حجاب عن كلامه القاسي لجون كيري، وتحميله مسؤولية تسليم الشعب السوري للقتلة دون أية مساعدة، ودون أن يسمح لآخرين بمساعدته، فكان أن تعاموا عن التدخل الميليشياوي الطائفي من كل بقاع الأرض لقتل الشاميين، ثم تعاموا عن الغزو الإيراني للشام، ومن بعده الغزو الروسي، وتعاموا كذلك عن استخدام كافة أسلحة الدمار والقتل الشامل من صواريخ باليستية، وكيماوي، وإبادة، وتشريد، وتفريغ، وإحلال ميليشيات طائفية محل الشعب السوري.

كانت الإدارة الأمريكية تتذرع على مدى سنوات الثورة الشامية بأنها لا تريد التدخل، خشية أن تخرج الأمور عن السيطرة، وكأن الأمور هي تحت السيطرة، إلا إذا كانت السيطرة المقصود بها سيطرة عملية إبادة الشعب السوري، واليوم ها هي تتدخل من أجل حماية الميليشيات الكردية، بل وحماية ودعم حزب العمال الكردستاني، المصنف أمريكياً بأنه حزب إرهابي، بل وأسقطت طائرة للنظام السوري حين حاول قصف ميليشياتها الكردية، لتتخلى بذلك عن حلفائها الأتراك في الناتو، وتتخلى أيضاً عن الشعب السوري، وتسقط أخلاقياً بطريقة لم يسبق لها مثيل.

أمريكا مشغولة بمتابعة ما تصفه بالإرهاب والإرهابيين وبمصادر تمويله، أما ذبح الشعب السوري على مدار الساعة، وعلى مدى سبع سنوات عجاف، معلوم قاتله وذابحه ومدمره، فهذا لا يعنيها، فما يعنيها البحث عن المجاهيل الذين ما كان لهم أن ينتشروا لولا هذا التخاذل العالمي للشام وأهلها، ويأتي ذلك وسط تأكيدات ناشطين وشهود عيان عن هبوط ست مروحيات أباتشي أميركية لنقل عملائها من تنظيم الدولة بعد سقوط الرقة ودير الزور.

ما فعلته أمريكا بحق الشعب السوري لن ينساه، وإن كان اليوم لا يتحدث عنه بسبب كثرة الذباحين والقاتلين له، لكن سيظل الشعب السوري يختزن ذاكرة مأساته ونكبته كما اختزن الشعب الفلسطيني، ومعه الشعوب العربية والإسلامية نكبته، لتتحول براكين وأنهاراً من الدماء عاجلاً أم آجلاً، إنها صرخة لعل بعض العقلاء من الإدارة الأميركية يدركون حجم ما فعلوه بحق الشعب السوري.

من د. أحمد موفق زيدان

كاتب صحفي، سوري