د. ياسر عبد التواب

من اللعب بالنار أن ينشغل المرء بحب ما سوى الله تعالى من المحبوبات ويهمل استدراجه إليها وتدرجه في حبها..

حتى يجد نفسه غارقا إلى أذنيه في محبتها فلا يميز فيها حقا من باطل ولا خيرا من شر.

 

هذا ينطبق على جميع المحبوبات مما هو سوى الله تعالى وأصل ذلك في حب المال وحب الجاه وحب النساء لأن هذه المحبوبات  أكثر تأثيرا وأشد ضررا.

 

فعَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

(مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ)

قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

قال العلماء: وَمَعْنَاهُ لَيْسَ ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ جِنْسِ الْغَنَمِ بِأَشَدَّ إِفْسَادًا لِتِلْكَ الْغَنَمِ مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالْجَاهِ،

 

فَإِنَّ إِفْسَادَهُ لِدِينِ الْمَرْءِ أَشَدُّ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْغَنَمِ إِذَا أُرْسِلَا فِيهَا.

أَمَّا الْمَالُ فَإِفْسَادُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْقُدْرَةِ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الشَّهَوَاتِ وَيَجُرُّ إِلَى التَّنَعُّمِ فِي الْمُبَاحَاتِ فَيَصِيرُ التَّنَعُّمُ مَأْلُوفًا،

 

وَرُبَّمَا يَشْتَدُّ أَنْسُهُ بِالْمَالِ وَيَعْجِزُ عَنْ كَسْبِ الْحَلَالِ فَيَقْتَحِمُ فِي الشُّبُهَاتِ وفوق ذلك فإن الأموال مُلْهِيَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَحَدٌ.

 

روي أن رجلاً نال من أبي الدرداء وأراه سوءاً فقال:

«اللهم من فعل بي سوءاً فأصح جسمه وأطل عمره وأكثر ماله.

فانظر كيف رأى كثرة المال غاية البلاء مع صحة الجسم وطول العمر؟

لأنه لا بد وأن يفضي إلى الطغيان».

 

وَأَمَّا الْجَاهُ فَيَكْفِي بِهِ إِفْسَادًا أَنَّ الْمَالَ يُبْذَلُ لِلْجَاهِ وَلَا يُبْذَلُ الْجَاهُ لِلْمَالِ..

والحرص على الجاه منه الشِّرْكُ الْخَفِيُّ،

فَيَخُوضُ فِي الْمُرَاءَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالنِّفَاقِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، فَهُوَ أَفْسَدُ للمرء من المال.

 

وقالوا: اعلم أن تقصير الأمل مع حب الدنيا متعذر؛

فالمرء إذا كان منشغلا بشيء لا يكون لشيء آخر محل في قلبه..

ولذا قيل الدنيا والآخرة كضرتين، إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى..

وكالمشرق والمغرب بقدر ما تقرب من أحدهما تبعد من الآخر.

 

قال اللّه تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا}

(18) سورة الإسراء

 

وقال اللّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}

(5) سورة فاطر