سيف الهاجري

منذ انطلقت ثورة الربيع  العربي بشعارات الحرية والكرامة تصدر المشهد السياسي الجماعات الإسلامية في الثورات السلمية والحركات الجهادية في الثورات المسلحة

وكل بأدبياته وفكره الشرعي والسياسي والتي تطلعت الشعوب الثائرة

لتخرجها هذه الجماعات والحركات بمرجعيتها الإسلامية مما هي فيه من ظلم واستبداد وفساد إلى عدل الإسلام وحكمه.

لكن ثورة الربيع العربي تعرضت لنكبة عقائدية وسياسية قبل نكبة الثورة المضادة بتبني هذه الجماعات والحركات ونخبها لخطاب سياسي لا يمت للخطاب السياسي القرآني والنبوي والراشدي بصلة بل ارتبط بالخطاب السياسي الغربي!

فمنذ اليوم الأول للثورة

سارعت الجماعات الإسلامية إلى تبني الديمقراطية الغربية كخطاب سياسي وشرعي والترويج لها في صفوف الثورة لتصبح الدعوة للديمقراطية والدولة المدنية هي الخطاب السياسي للثورة في سنواتها الأولى،

وشرعن لهذه الدعوة نخب الحركة الإسلامية وهيئاتها العلمائية بخطاب سياسي ديني مبدل ينصون فيه على أن الإسلام لم يأت بنظام سياسي محدد وإنما أتى بمبادئ وقيم عامة،

لتصبح الديمقراطية الغربية المسيحية ذات الأصول الإغريقية والرومانية باسم الفقه ومقاصد الشريعة مشروعة في هذا الخطاب السياسي المبدل!

فهذا الخطاب الديني المبدل والذي أصبح خطابا للثورة هو الخطاب الذي تولى كبره علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم ١٩٢٥

وشرعن لقيام النظام العربي الوظيفي على أنقاض الخلافة،

لتبقى الثورة بخطابها هذا أسيرة للفكر الذي رعته القوى الصليبية ونشرته في الثقافة العربية،

لينتقل إلى الجماعات الإسلامية ونخبها والتي تعلم وتثقف أغلبهم في الجامعات الغربية ومراكزها الاستشراقية!

وبفقه المقاصد وفقه الثورة

أعادت نخب الحركة الإسلامية وهيئاتها العلمائية إنتاج خطاب علي عبد الرازق ووظفوه في الثورة لا لبناء أنظمة سياسية حرة بل لإعادة بناء النظام العربي الوظيفي

ليعود رجاله يحكمون من جديد وعلى أنقاض الربيع العربي باسم الثورة والديمقراطية وتحت عين القوى الدولية ومؤسساتها كما في مصر وتونس والمغرب والسودان.

وأما الحركات الجهادية في ساحات الثورات المسلحة فهي وإن لم تتبن خطاب الحركة الإسلامية السياسي بشأن الدعوة للديموقراطية الغربية،

إلا أن افتقادها لخطاب سياسي واضح جعلها عاجزة عن تقديم مشروع سياسي للثورة،

وهذا ما استغلته القوى الدولية والجماعات الوظيفية لتخترق ساحات الثورة المسلحة من ثغرة العجز السياسي والإعلامي لاحتواء الثورة وقواها من الداخل كما في سوريا وليبيا!

ففي ليبيا دفع العجز السياسي الحركات الجهادية للقبول بالوساطة الدولية لترتيب المشهد السياسي في ليبيا تحت المظلة الدولية وإشراف المبعوث الدولي!

وفي سوريا فالمشهد الثوري أصبح أكثر تعقيدا وتراجعا مع إعلان الحركة الجهادية سعيها

لقيام كيان سني في إدلب لتحقق بهذا الخطاب السياسي القطري ما تهدف إليه القوى الدولية لتحويل سوريا إلى كيانات قطرية وطائفية باسم الثورة!

وكلا هذين الخطابين للحركة الإسلامية والحركة الجهادية وإن اختلفا في طرحهما إلا أنهما حاصرا الثورة العربية فكريا وسياسيا وثوريا،

فخطاب الحركة الإسلامية رسخ الواقع السياسي باسم فقه الثورة وخطاب الحركة الجهادية رسخ القطرية والتجزئة باسم أهل السنة، مما يوجب على الشعوب الثائرة وعلمائها ومجاهديها الأحرار بناء طريق ثالث للتحرير والثورة،

يكون فيه الخطاب السياسي القرآني والنبوي المنزل هو المرجعية الشرعية للثورة ورجالها.

((عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ))

من سيف الهاجري

مفكر وسياسي - الأمين العام لحزب الأمة الكويتي