يقول الإمام أحمد: رحم الله أم صالح -يعني زوجته، وكانت قد توفيت- صاحبتني ثلاثين سنة، والله ما اختلفت أنا وإياها في كلمةٍ واحدة.

قلت: لا أظن أنهما اتفقا في كل صغيرٍ وكبيرٍ طيلة الحياة، ولكنه التغافل يا قوم، ولو كانت الكلمة صحيحة على ظاهرها لكان ذلك أمرًا نادرًا في البشر، لكننا نستفيد منه تضييق دائرة الخلاف بين الزوجين.

بعض الشباب ما إن يتزوج حتى يظن نفسه الآمر الناهي، وإذا أخذ ينفق على زوجته،

ويشتري الحاجيات ازداد شعورًا بأنه قائد البيت،

وأن مالك المال هو مالك القرار، وأن زوجته بمثابة الجندي الذي لا يملك أن يناقش أو يعترض.

وهذه الحدة ستنكسر مع الأيام، وستوصله تجارب الحياة إلى أن قائد البيت هو من يستطيع إدارة البيت بنجاح، ويتغلب على إشكالاتها بحكمة وأدب.

ربما كانت زوجته تجد منه ما تكره أكثر مما يجد منها، لكنه يفتح عينيه لمراقبة أفعالها وأقوالها ويغض بصره تمامًا عن نفسه..

مرارة العيش أنه يريد زوجةً مثاليةً لزوجٍ عاجزٍ عن نصف المثالية التي يطالب بها، يريد أن يَحْمِلَ غيره على ما لا يقدر هو عليه.

ربما ما زال يُعاني في تغيير عادةٍ عنده من سنواتٍ طويلةٍ، ويفشل مرة بعد مرة وما زال يحاول،

ثم يريد من زوجته تغيير جميع عاداتها في يوم وليلة؛ لأنه في النهاية صاحب القرار.

ربما يشتد غضبه على سيئة فعلتها زوجته معه، ولا ينتبه إلى أنه أساء كثيرًا في حق ربه جل جلاله،

ولو عامله ربه بما يريد أن يعامل به زوجته لهلك، ولما وجد قدمين يمشي بهما على الأرض أصلًا.

ما أظلم الزوج عندما يظلم بيته لمَّا لم يفهم كيف تقوم أعمدته!!

قد حصل لي أكثر من مرة أنني أرى ما يثير غضبي من زوجتي، فأخاف أن أعالج الموقف في ساعته فأقع في الظلم،

بسبب ما أنا عليه من حِدَّة، فأؤجل الموضوع لأنه في نظري حينها يحتاج إلى العتاب لا العقاب،

فإذا هدأت نفسيتي وقررت المعاتبة رأيت أن الموضوع لا يستحق المعاتبة أصلًا؛ وإنما أنا من ضخَّم الموضوع،

وأنّ الذي جرى كان مما تحتمله وجهات النظر، ويجري سجيةً في الناس،

وأن من يفهم طبائع النفوس لا يتمعر وجهه عنده،

وأنّ السياسة الحكيمة أن تنقل الناس من العوائد السيئة إلى الحسنة بالموعظة الحسنة، والنصيحة الصحيحة،

فإن وصلوا الحسن بدأت بنقلهم إلى الأحسن، والله الموفق وحده.

من د. محمد الأسطل

من علماء غزة وفقهائها