د. أحمد زكريا

هيج نفسي ذكرى رابعة فعدت أقرأ كيف وصف ابن كثير ما فعلته  همجية القرون الوسطى بديار الإسلام، ورغم مرارة الأسى، وقسوة الحزن،

ومذلة القهر التي أشعر بها كلما قرأت عن بغداد وما حدث فيها، إلا أنني أتصاغر كل هذا للذي رأيته بعيني وسمعته أذني في ملحمة رابعة،

وكيف فاحت رائحة الشواء من أجساد المسلمين، وإنا لله وإن إليه راجعون.

تأمل وصف ابن كثير لما حدث كأنه كان رأي عين في رابعة ١٤/٨/٢٠١٣:

ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان،

ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون.

وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار.

ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة،

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكذلك في المساجد والجوامع والربط،

ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى

ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانا،

بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم.

ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس،

والقتلى في الطرقات كأنها التلول،

وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام،

فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

من د. أحمد زكريا

كاتب وباحث