ذكر المقريزي (845هـ) مشهد زين العابدين يعني مشهد رأس زيد بن علي، ومشهد أم كلثوم بنت محمد بن جعفر الصادق، ومشهد السيدة نفيسة، وقال في موضع آخر: “وفي خارج باب النصر في أوائل المقابر قبر السيدة زينب بنت أحمد بن جعفر بن محمد بن الحنفية .. وتسميه العامة مشهد السيدة زينب”، وهذا التصريح يكشف منشأ خطأ العامة وانتشار هذا الوهم.

ولقد تأسس بناء المشهد المنسوب لزينب بعد ذلك بناء على رؤيا رآها الصوفي علي الخوَاص، قصها على الصوفى الشهير عبد الوهاب الشعراني في القرن العاشر الهجري،

حيث قال الشعراني:

«أخبرني علي الخواص أن السيدة زينب المدفونة بقناطر السباع ابنة الإمام علي رضي الله عنه، وأنها في هذا المكان بلا شك» (!!)  ثم تابعه الصوفية الخرافيون على هذا الكذب والكشف الشيطاني.

 لقد اعتمد المثبتون لرواية دخول السيدة زينب القاهرة على ما روي عن الرحالة الكوهيني، وعلى رسالة منسوبة للمؤرخ العبيدلي مكذوبة عليه، ومضمون هذا:

«أن زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها، لما قدمت إلى المدينة عائدة من دمشق، جعلت تخطب في الناس وتؤلبهم على خلع يزيد والأخذ بثأر الحسين، فكتب والي المدينة عمرو بن سعيد بن العاص -الأشدق- إلى يزيد يعلمه الخبر، فرد عليه أن فرّق بينها وبينهم، فأمرها بالخروج فاختارت مصر، ودخلتها في شعبان سنة 61هـ، ومعها فاطمة، وسكينة، وعلي أبناء الحسين، واستقبلها الناس في بلبيس، وتقدم إليها واليها مسلمة بن مخلد الأنصاري، واستضافها في داره الحمراء، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشرة يوماً، وتوفيت يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة 62هـ، وصلى عليها مسلمة بن مخلد ورجع بها فدفنوها بالحمراء بمخدعها من الدار حسب وصيتها».

ورد المؤرخون الثقاة ومحققي حوادث تلك الفترة على هذا الزعم بالآتي:

– استبعاد تصدي السيدة زينب رضوان الله عليها للخطابة في الناس،  وهي التي لم يرَ أحد من الأجانب شخصها في نور النهار، وأيضاً في وجود زوجها عبد الله بن جعفر وابن أخيها علي بن الحسين، وهو الولي الوحيد لدم أبيه، وأحق الناس به.

– انشغال المدينة وأهلها بأحداث عبد الله بن الزبير عن المطالبة بثأر الحسين.

– أن مصر في ذلك الوقت كان بها مسلمة بن مخلد ومعاوية بن خديج على وجه الخصوص، وقد كانا رأس المطالبين بدم عثمان، ولم يبايعا علياً ولم يأتمرا بأمر نوابه بمصر، ولذلك تعدهما الشيعة من ألد أعداء علي ومن أخلص أحباء معاوية، فكيف طابت مصر لزينب أن تتخذها مسكناً لها، ثم تنـزل في داره، وتموت عنده، بل ويصلي عليها !!

– لم يذكر أي مصدر أن زوجها عبد الله بن جعفر الطيار سافر معها، أو أذن لها بالسفر، أو زارها بعد استقرارها في مصر، ولا أن أحداً من بني هاشم زارها في حياتها، ولا بعد مماتها.

– أن كتب العبيدلي الأخرى مثل أخبار المدينة، وكتاب النسب لم تشر لما نسب إليه في وريقات رسالته «أخبار الزينبيات»، وكثير من المؤلفين نقلوا عن كتبه كثيراً كأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين، وشيخ الشرف العبيدلي في تهذيب الأنساب، وابن طقطقي في النسب الأصيلي، والنسابة العمري في المجدي، وأكثرهم تعرض لترجمة زينب الكبرى ولكن لم ينقل أحد عنه أنها ذهبت إلى مصر وماتت بها.

– أقوال كبار المؤرخين لم تُثبت دخول زينب الكبرى مصر، ومنهم: عبد الرحمن بن الحكم المعاصر للعبيدلي والمتوفى سنة 257هـ،

الذي ألف عدة كتب في أخبار مصر وذكر جملة من الصحابة الذين دخلوا مصر،

وليس فيهم ذكر زينب الكبرى ورحلتها إلى مصر، ومعاصره محمد ابن الربيع الجيزي الذي ترجم للصحابة والصحابيات الذين دخلوا مصر،

وكذا القضاعي المتوفى سنة 453هـ ، وله تأليف في مزارات مصر سماه أنس الزائرين،

وابن جبير الأندلسي أثناء رحلته إلى القاهرة عام 578هـ، وهكذا ابن أسعد الجواني المتوفى سنة600 ، وله مزارات الأشراف،

وابْن ميسر المصري المتوفى سنة 677هـ ، وله كتاب في تاريخ مصر،

وابن تغري بردي المتوفى سنة 704هـ فى كتابه «النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة»،

وابْن دقماق المتوفى سنة792هـ ، وله في أخبار مصر وخططها كتاب «الانتصار لواسطة عقد الأمصار»،

وابن الناسخ المصري المتوفى سنة 800هـ في كتابه مصابيح الدياجي وغوث الراجي، وهو مخطوط لم يطبع بعد،

وابْن الزيات الأنصاري المتوفى سنة 814هـ ، وكتابه الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة،

ونور الدين السخاوي المتوفى سنة 814هـ ، وله كتاب تحفة الأحباب،

والمقريزي المتوفى سنة 845هـ ، وكتبه الخطط واتعاظ الحنفاء،

والقاضي ابن ظهيرة المتوفى سنة891هـ، وكتابه الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة،

والحافظ السخاوي المتوفى سنة 902هـ، وله كتاب مفرد في ترجمة زينب الكبرى،

 والسيوطي المتوفى سنة911هـ، وله كتاب حسن المحاضرة، وكتاب در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة، ترجم فيه مئات الصحابة، وسبع صحابيات ليس فيهن زينب الكبرى،

وأحمد بن محمد السلفي المتوفى سنة 576 هـ  يصرح بأنه لم يمت لعلي بن أبي طالب ولد لصلبه في مصر.

(يتبع …)

من صلاح الإمام

كاتب صحفي