حمدي شفيق

يرى أكثر المُفسّرين أن أول ما نزل من القرآن الكريم هو صدر سورة العلق:

{ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ ۝١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ۝٢

ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ۝٣ ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ۝٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ ۝٥}

ونلاحظ هنا أن أول لفظ نزل هو الأمر الإلهي العظيم بالقراءة، وقد تكرّر مرتين، وكُل تكرير في القرآن -كما قال أهل العلم- هو للتأكيد وبيان أهمية

وشرف وفضيلة ما تَكَرّر ذكره.. ثم ذكر سبحانه في مقام المَنّ والتذكير بنعمه العظمى على الإنسان أنه علّمه بالقلم ما لم يكن يعلم..

يقول الإمام الزمخشري، رضي الله عنه، تعليقًا على الآيات الكريمات:

«دلّ على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم،

ونَبّه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دُوِّنَت العلوم ولا قُيّدت الحكم، ولا ضُبِطت أخبار الأولين ومقالاتهم،

ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا،

ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط، لكفى به». انتهى.

ويقول السعدي رحمه الله:

«أخرج الله الإنسان من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم.

فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ به العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلًا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمِنّة». انتهى.

وهناك سورة كاملة في القرآن الكريم اسمها «سورة القلم» استهلها الحق تبارك وتعالى بالقسم: {ن . والقلم وما يسطرون} الآيتان:1و2..

وحسب الراجح من أقوال أهل العلم فإن القلم الذي أقسم الله به -وبما يكتبون- هنا هو كل قلم يكتب به في السماء والأرض، وهو اختيار القشيري في تفسيره:

«أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان، وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض». انتهى..

وكذلك بدأت سورة الرحمن بقوله تعالى:

{(الرَّحْمَٰنُ ﴿۱﴾ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿۲﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿۳﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾}.

قال صاحب التفسير المُيَسّر رحمه الله: «الرحمن علَّم الإنسان القرآن؛ بتيسير تلاوته وحفظه وفهم معانيه». انتهى..

وتعليم الإنسان البيان كما ذكر القرطبي، رضي الله عنه، هو: «أسماء كل شيء. وقيل: علّمه اللغات كلها».

وعن ابن عباس أيضا وابن كيسان: «الإنسان ها هنا يراد به محمد ، والبيان بيان الحلال من الحرام، والهدى من الضلال».

وقيل: «ما كان وما يكون، لأنه بَيّن عن الأولين والآخرين ويوم الدين». انتهى.