د. وليد عبد الحي

شكل المشهد الأردني في الأيام الأخيرة موضع نقاش محلي وإقليمي ودولي، وبالقطع فان كل مستوى من المستويات الثلاثة ينظر للمشهد من زاويته الخاصة،

فالمحلي مشغول في بعده المركزي بهموم يومية تتركز في الفساد والأوضاع الاقتصادية والديمقراطية،

بينما ينشغل الإقليم بانعكاسات ذلك على الاستقرار الإقليمي بشكل عام وعلى خصوصيات علاقات دول الإقليم بالأردن كل منها على حدة،

بيْنما ينشغل المستوى الدولي بحجم ومكانة الأردن في إستراتيجية هذا المستوى بخاصة الدول الكبرى .

وكما تشكل هذه المستويات الثلاثة فضاء للحركة الدبلوماسية الأردنية، فإنها تنطوي أحيانا على قيود بعضها شاخص في الواقع الحاضر، وبعضها تمتد جذوره في عمق التاريخ بينما يتطلع ثالثها إلى مستقبل يتراوح بين القلق وعدم اليقين .

في ظل صورة مربكة ومرتبكة في نفس الوقت، أرى ما يلي:

أولا: وضع نموذج استدلالي يقوم على أساس عشر مؤشرات مركزية تراعي مستويات التفاعل المحلي والإقليمي والدولي،

ويتم تحديد نقطة الأردن وترتيبها الإقليمي والدولي في كل مؤشر من المؤشرات العشر المقترحة وفي كل سنة،

ويتم مساءلة الحكومة كل أربع سنوات عن مدى التقدم والتراجع والثبات في كل مؤشر، ويحكم على أداء الحكومة استنادا لنتائج هذا القياس.

ثانيا: المؤشرات العشرة: يتم تحديد (النقطة أو علامة الأردن) استنادا للمقاييس الدولية المعتمدة/ ثم المرتبة الإقليمية للأردن / ثم المرتبة الدولية للأردن /،

فما إن تتولى الحكومة مسؤوليتها بعد أداء اليمين، وتنال موافقة السلطة التشريعية،

يتم رصد الأبعاد السابق للأردن في كل مؤشر من المؤشرات التالية ثم يتم الحكم على أداء الحكومة ومحاسبتها طبقا للنتائج،

وتتمثل المؤشرات العشرة في:

1- الاستقرار السياسي

2- الديمقراطية

3- عدالة توزيع الثروة (Gini index)

4- معدل الإنفاق العسكري قياسا إلى إجمالي الناتج المحلي

5- حجم الديون

6- معدل الجريمة

7- العسكرة (militarization index) (وهذا مختلف عن الإنفاق العسكري)

8- الفساد

9- العولمة

10- حجم العجز في الموازنة العامة للدولة.

ومن المعلوم أن كل مؤشر من هذه المؤشرات مبني على سلسلة من المؤشرات الفرعية التي تشكل في مجموعها المؤشر الرئيسي.

ثالثا: مع نهاية السنوات الأربع للحكومة (إلا إذا حدثت أمور طارئة)،

نطلب من رئيس الحكومة أن يحدد لنا في كل مؤشر ما يلي:

أ‌- كم كانت نقطة المؤشر عندما تسلم الحكومة، وكم هي الآن (وبهذا نعرف استنادا لمعايير دولية وليست لمعاييره كم تقدمنا أو تأخرنا)،

وقيم هذه المؤشرات موجودة على مواقع المؤسسات الدولية ومتاحة للجميع، وهناك أكثر من مقياس لنفس المؤشر،

ولكن من خبرتي الطويلة مع هذه المقاييس لم أجد -في الغالب- إلا فروقا هامشية بينها.

ب‌- ماذا كان ترتيبنا الإقليمي في كل مؤشر عندما تسلمت الحكومة مهامها وكم هو ترتيبنا الآن(بعد الأربع سنوات) لكي نقارن أنفسنا مع من هو حولنا وفي نفس بيئتنا، وكم فوارق الانجاز قياسا للدول العربية الأخرى.

ت‌- ماذا كان ترتيبنا الدولي لنعرف مدى اتساق حركتنا مع حركة المجتمع الدولي، فهل التغير الايجابي في العالم يسير بإيقاع أسرع أو أبطأ من إيقاعنا، ثم نحكم على مدى انجازنا قياسا للعالم.

رابعا: إذا كان الاتجاه العام لنتائج القياس في الأردن يشير إلى تطور قريب من مستواه الإقليمي وأن حراكه على سلم هذه المؤشرات يتسق مع الاتجاه الدولي فلا بد من التمديد للحكومة،

أما إذا كانت الحكومة في واد والعالم والإقليم في واد آخر، فعلى نفسها جنت براقش.

من الممكن أن يشير البعض إلى أن بعض الوزارات لا تظهر مؤشراتها في هذا النموذج، وهذا غير صحيح،

فمثلا لو أخذنا البطالة فهي مرتبط بالاستقرار وبعدالة توزيع الثروة وبحجم الديون وبالفساد…الخ،

ولو أخذنا وزارة التعليم أو الصحة أو الثقافة فهي مرتبطة أيضا بشكل أو بآخر بالديمقراطية والاستقرار السياسي وبحجم الديون وبالعسكرة وبالإنفاق العسكري وبالفساد…الخ،

أي إن هذه المؤشرات هي اقرب لمصفوفة التأثير المتبادل (Cross Impact matrix).

إن المشكلة في حكوماتنا أن الوزير قد يفشل فشلا ذريعا لكنه مطمئن أن أحدا لن يحاسبه أو يكشف فشله،

وقد يعود للوزارة ثانية مع أننا لا نعرف ماذا أنجز وأين فشل؟

إن وزراءنا يشبهون طيور حمام المدن، لها عش واحد تضع فيه بيضها لكن برازها تنثره على كل سطح يحلو لها….

ربما.

من د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن