ظهرتْ علينا منذ أيام امرأة تونسية تُدعى (الحاجة سندس) قالت إنها سوف تُزفُّ إلى رجلين فى وقت واحد، يوم السبت المقبل (31/ 12/ 2022)؛ متعهدة بالعدل بينهما، مؤكدة أنه سيكون هناك زوج رابع وخامس؛ مستغلة خلوَّ القانون التونسى -الذى يمنع فى الوقت ذاته التعدد للرجال مخالفًا بذلك شرع الله- من معاقبة المرأة التى تجمع بين زوجين.

وهذا أمرٌ منكرٌ ومحرّمٌ فى ديننا، وهو زنى وفجور، بل إن الشرع الحنيف فرض على المرأة فى حال انفصالها عن زوجها عدة لاستبراء الرحم فلا تختلط الأنساب التى شدد الشرع على حفظها. ناهيك عما تسببه هذه الجريمة من أمراض قد تدفع البشرية إلى الهلاك.

إن الفرق الأساسى بين الإنسان والحيوان هو هذا الأمر، ففى ممالك الحيوان تختلط الأنساب، وقد يأتى الذكر أمه أو أخته أو ابنته، أما فى عالم الإنسان الذى كرّمه الله على سائر خلقه فلا يصح، فلكل رحم ناكح واحد، فلا تكون فوضى ينشأ عنها القتل واستباحة الأعراض ونشوء المشكلات الاجتماعية والقانونية وغيرها.

ولمن يُنسب الأبناء إذا كان للزوجة زوج واثنان وثلاثة؟ ومن سيكون له القوامة، هم أم هى؟! وهل تستطيع أن تعدل بينهم؟ وما شكل العلاقة بين هؤلاء الرجال؟ وهل سيستخدمون قوتهم ونفوذهم للتفاهم فيما بينهم، أم سيكون الأمر سلميًّا محضًا؟! وفى حالة حيض المرأة أو نفاسها؛ أين يذهبون؟! هل يلجؤون للزنى؟ أم يتزوجون غيرها؟ أم يطلقونها لعدم صلاحيتها فتعيش تعسة نكدة؟!

إن غالبية النساء لا تشتهى الجنس كما هو الحال عند الرجال؛ لما تمر به المرأة من أحوال جعلت المشرِّع يسقط عنها بعض العبادات مراعاة لما يصيبها من عوامل الإرهاق والألم.

ولو سلمنا بإمكانية قيام المرأة بالتعدد، فما الحل فى العدد الهائل الذى سوف يفيض من النساء؟ إننا الآن نعانى ظاهرة العنوسة التى سجلت أرقامًا مخيفة، فكيف سيكون الحال إذا اختزلنا رجلين أو ثلاثة أو أربعة لامرأة واحدة؟ إنها سوف تكون مهزلة بكل تأكيد.

إن مما لا تفهمه (النسويات) أن التعدد فى الإسلام حتى بالنسبة للرجل ليس أصلًا، لكنْ للأسف فإن البعض يختزل الحكم الشرعى للتعدد فى الوجوب، رغم أنه لا يوجد نص يوجب الفعل أو الترك، وإنما أباحته الشريعة مراعية فطرة البشر، ومراعية بعض الأحوال الاجتماعية، لكنها لم تفرضه، ولم تجعله أصلًا..

نعم إنه أمرٌ مشروع، وأحكام الشريعة لا تحتاج إلى تبريرات أو تفسيرات أو تأويلات، لكن تنفيذها مشروط بشروط؛ لضمان تطبيقها بصورة سليمة، وكذلك التعدد لا بد أولاً من معرفة أحكام الشرع فيه، بحيث نضمن عدم استغلاله من جانب الزوج بما يمثل حكمًا بالإعدام النفسى على الزوجة والأولاد ومن ثم على المجتمع.

فمن يحقق سنة التعدد، فلا يضيع الفرائض، فالله لا يقبل النافلة حتى تؤدَى الفريضة، ومن انصرف من الفرض إلى النفل فهو مغرور، ومن هنا حرّم العلماء التعدد إن نتج عنه ظلم، أو كان هدفه التحدى والانتقام من الزوجة الأولى، والأمر نفسه ينطبق على من ليس لديهم القدرة المادية والنفسية والتربوية لهذا الأمر.

لقد شُرع التعدد فى إطار وسطية الإسلام وإعجاز تشريعاته، كحالة استثنائية أو ضرورة لها مبرراتها وضماناتها، وهو ليس أصلاً، ولو كان أصلاً لعدّد الأئمة والعلماء جميعًا بلا استثناء، بوصفهم أهل الفقه والدراية، لكننا رأينا منهم من عدّد، وآخرين أفردوا، ومنهم من بقى عزبًا لم يتزوج فى حياته.

من عامر شماخ

كاتب صحفي مصري