إن ما ترونه من تناقض وإرباك وانتهاكات للمواثيق والاتفاقات الدولية ،بل حتى بين مؤسسات الدولة الواحدة كما هو حال الدولة الإرهابية الأمريكية.. مرده إلى مرتكز ثابت في دورة قيام الدول واندثارها.. ويبدأ بسقوط المراجع المؤسسة والقيم الحاكمة.. ثم يسقط النظام.. ثم يبدأ العد التنازلي للانهيار ثم الاندثار. {سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا}.

 

كل الدول اليوم تخوض مرحلة البقاء اليائسة.. كل الدول اليوم تبحث وبكل توحش عن أمل البقاء إلى مرحلة “ما بعد الدولة القومية”..

 

وكل الدول اليوم لا تدري ولم تهتد إلى نموذج الدولة الجديد ما بعد مرحلة الاندثار.. حتى منهم من وصفها بنهاية التاريخ!!

 

لكن سقوط الدول وتفكك النظم سيترك وراءه جيوش مسلحة وأطماع مهيجة.. تفقد صفة “جيوش الدول” لتستحيل مليشيات قاتلة لتمارس السلطة والسيطرة كما عهدت لكن خارج اطر الدولة.. وضعف المركز في النظام الدولي سيفتح بالتأكيد باب الاستقطاب والتجنيد، ممن هو قادر على التمويل.. وبذلك سندخل “مرحلة المليشياتية ” برزخ الفوضى ما بين سقوط نظام وقيام آخر لتكون هذه المليشيات أخطر وأنكى بالشعوب لالتصاقها بها وتسلطها عليها.

 

دول ستسارع بكل عنف بحثا عن موطئ قدم في مرحلة لا يدرى معالمها (ما بعد الدولة القومية) وسيسرع ذلك في احتراقها.. ودول ستتموقع فتجد نفسها في قلب حلقة النار ولن يغنيها ذلك.. ودول ستستباح بكل بساطة.

 

ومن عجب سنن الله في خلقه أن بصيص الأمل يبرق من حلكة ظلام هذه الفوضى.. فلو بقي النظام الدولي مستقرا والدول قائمة والنظم حاكمة.. لفسدت الأرض واستحكم الظلم وما خلق الله الأرض لذلك.

 

لا بد أن يسقط الجميع.. لا بد أن يتيه الجميع..لا بد أن يتآكل الجميع.. لأن هناك أمة موعودة بالسيادة.. مكلفة بالقيادة.

 

إن ما بعد الدولة القومية يعني انهيار مراجعها السياسية والعقدية والاقتصادية.. يعني أن الصنم سيتحطم ويسقط في أيدي الناس.. وهم لم يألفوا غيره حاكما ولا مثله جامعا.. فيتيه الجميع بحثا عن قوة عليا يخضعون لها وفكرة مهيمنة يدينون بها.. وهذا الأمر الوحيد والأوحد الذي يرهب أرباب تلك الأصنام من الدول والسدنة من النظم.

 

لذلك وصلوا أخيرًا إلى تعريف الإرهاب الدقيق في مؤتمر محور الشر الذي جمعته السعودية بقيادة ترامب ووحي شيطانهم دنيس روس حين اعتمدوا تسمية الإرهاب لكل من يرى الهوية الإسلامية أولى من الهوية الوطنية!!

 

تلك الهوية الوطنية البائدة وما عاد أحد يراها مرجعا..فلماذا التركيز عليها الآن رغم أفولها!؟

 

الجواب بسيط وواضح.. لأن سقوط دولهم القومية ومعها هويتهم الوطنية سينكشفون أمام الأمة الإسلامية ذات الهوية الراسخة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين تحتاجها البشرية -بإذن ربها – لخلاصها من وطأة الظلم وقيادتها لبر الخلاص.. إن هذا لهو إسلامنا وإن هذا لهو إرهابهم.. فالإسلام ليس دينا تعبديا فقط بل وريثا سياسيا لنظام دولي متهافت وقائدا حضاريا ترقبه البشرية لخلاصها من جور الأديان والنظم.

من رضا بودراع

كاتب جزائري، وباحث في الشؤون الاستراتيجية