بينما تتصاعد أجواء حرب شعواء متوقعة.. هي (حرب الخليج الرابعة) بتداعيايتها التدميرية.. وعواقبها العقابية القدرية؛ تتنافس ظاهرتان مرضيتان على تسميم حياة المسلمين والذهاب بما تبَقَّى من حكمة العقلاء وفطنة الغيورين.. وهاتان الظاهرتان ترتبط إحداهما بالمتساقطين ممن كانوا يومًا من كبار الدعاة.. وتقترن الأخرى بالساقطين من حكام الجبر وخدم الطغاة، فبينما يتسابق الصنف الأول ممن كنا نعدهم من الأخيار، في ابتغاء العزة عند الطواغيت الصغار.. يتزايد الجنون الممزوج بالمجون لدى الآخرين، بتكرار الركوع والركون المخزي تحت أقدام أكابر المجرمين؛ متجاوزين حدود العقل في التعدي على حدود الشرع.. ومبالغين في استنزال غضب الله بالمحاربة والمعاداة لأولياء الله.

 

ما يحدث ببلدان الخليج في الآونة الأخيرة -وخاصة ببلاد الحرمين- يحير الألباب ويربك العقول.. فرغم إقدام تلك البلاد -في الغالب- على تداعيات صيف ساخن لاهب؛ يتسابق سفاؤها على استجلاب أسباب السخط الإلهي، بتعاون على الإثم والعدوان، بين فريق متكامل من مفاتيح الشر ومغاليق الخير.. الذين يسارعون في استغضاب جموع الأمة بالإسراف في موالاة أعدائها واستباحة حرمات أحرارها وكرامها وفضلائها من علمائها ودعاتها.. مع تعمد التمييع لقيمها وثوابتها.. والتضييع لقدراتها ومقدراتها.. وسط تزلف وتزييف بعض المنسوبين للدين، تعلقًا بالدنيا وتملقًا للمفسدين..في صور وشاية بالمصلحين.. أو براءة من ماض مضئ، وجراءة على تمجيد حاضر مظلم قمئ.. في تكرار غبي من الطرفين لمقدمات كل الهزائم التي مني بها العرب والمسلمون على يد حكام الجبر وعلماء السوء.. وكأنها موجة عاتية جديدة من عدوى “أنفلونزا الشيوخ” تتسابق في الانتشار مع عدوى (جنون البشر) السابق في الشر لجنون البقر!

 

ما انتشر مؤخرًا من أخبار أحكام الإعدام والسجن المؤبد والمطول تنكيلًا بكثير من رموز الإصلاح والصحوة بالسعودية؛ وتمسحًا بأحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك ما سبق ذلك وما لحق به من إجراءات التنكيل بالإسلاميين بمصر وغيرها، بالمخالفة حتى للأعراف والقوانين الوضعية.. ليس إلا نذير شؤم.. لموجبات سخط.. ومقدمات هزائم.. تشبه أجواؤها ما كان قبيل الهزيمة الكبرى للناصريين عام 67.. التي لا تزال الأجيال تدفع أثمانها الفادحة.. وتعاني من عار آثارها وأسرارها الفاضحة..

 

والمشكلة هنا أن عقوبات مثل هذه الفتن لا تخص المفسدين.. بل تعم الصالحين والطالحين.. إن لم يتقوها.. بالبراءة سرًا وعلنًا من مقترفيها ..كما قال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [الأنفال / 25].. فقد نقل الطبري عن ابن عباس في تفسيرها أنه قال: “أمر الله المؤمنين أن لا يُقرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمَّهم الله بالعذاب”

 

فاللهم إنا نبرأ إليك من ظلم الظالمين.. ونجأر إليك برفع الظلم عن المظلومين.