ورد في موقع «عربي 21» بتاريخ 8/6/2023 م هذا التقرير [عنف جنسي وإجهاض.. توثيق عشرات الانتهاكات داخل «قرى الأطفال الدولية»] كشف تقرير داخلي لمنظمة قرى الأطفال الدولية غير الحكومية- جيتيش عن العديد من حالات العنف الجنسي والفساد داخل فروع المنظمة حول العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي.

بقلم د. ياسر عبد التواب

د. ياسر عبد التواب
د. ياسر عبد التواب

وأكد التقرير ارتكاب انتهاكات خطيرة بحق قاصرين داخل مقرات قرى الأطفال حول العالم وكلفت المنظمة فريق تدقيق مستقل بقيادة ويلي موتونغا الرئيس السابق للمحكمة العليا في كينيا، بهدف تسليط الضوء على سلسلة من حالات سوء المعاملة داخل منظمة ««قرى الأطفال الدولية» التي تأسست عام 1949 في النمسا لمساعدة الأيتام والأطفال الذين لا يحظون برعاية عائلية مناسبة.

وزارت اللجنة المكونة من عشرة أعضاء عشرات الدول، واستطلعت آلاف الوثائق الأرشيفية وأجرت 188 مقابلة مع ضحايا مفترضين ومسئولين سابقين ومشرفين حاليين.

وأكد التقرير ارتكاب انتهاكات خطيرة بحق قاصرين داخل مقرات المنظمة في دول عدة، حيث تم توثيق «العديد من حالات حمل طفلات» ناتجة خصوصا عن الاغتصاب، وقد خضعت فتيات صغيرات «لإجهاض قسري» من دون «الحصول على موافقة الأسر».

مع وجود 2.5 مليون قاصر وأقاربهم مسجلين في 137 دولة وإقليما عام 2022، تقدم قرى الأطفال (إس أو إس) نفسها على أنها «أكبر منظمة عالمية» من هذا النوع.

وكشف التقرير عن استقبال مركز المنظمة في نيبال داعما ماليا كبيرا بشكل «مخالف للقواعد» وقد اعتدى على أطفال بين عامي 2010 و2014، حتى إنه تم إرسال أحد الأطفال لزيارته في النمسا.

وفي بنما حيث لاحظت لجنة التحقيق وجود “ثقافة الخوف”، فقد أُجبرت ضحية على التراجع عن اتهامها قبل وضعها في حبس انفرادي ثم اضطرارها إلى مغادرة المؤسسة. وأكد المحققون وقوع إخفاقات كبيرة في كمبوديا وكينيا وسيراليون وسوريا.

في سوريا استقبلت قرى الأطفال (إس أو إس)، وهي واحدة من المنظمات غير الحكومية القليلة التي واصلت العمل خلال الحرب، منذ عام 2015 أطفالا فصلوا قسرا عن عائلاتهم المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد.

وفي الآونة الأخيرة، تم تعليق عضوية الفرع الروسي للمنظمة غير الحكومية بعد كشف الصحافة عن اتهامات لها برعاية أطفال أوكرانيين ربما «رحلّتهم» روسيا.

وإضافة إلى حالات سوء المعاملة، تتحدّث الوثيقة عن «عدد كبير» من عمليات الاختلاس وإساءة استخدام السلطة والمخالفات في منح عقود تبلغ قيمة بعضها «ملايين الدولارات».

وتؤكد قرى الأطفال (إس أو إس) رغبتها في تسوية كل المشكلات على الصعيد العالمي، فقد استحدثت منصب مدافع عن الحقوق واستبدلت أكثر من نصف أعضاء الإدارة وعزّزت مراكز الاستقبال.

ونقول:

حين يأتي الخوف ممن يفترض منهم الأمان فأي بلاء يحل بالبشرية هنا؟

الأمر هنا يحدث بشكل متنوع وتتورط فيه منظمات شتى وفي دول شتى عبر بقاع الأرض ومن خلال موظفين أو متواطئين ومسهلين للدعارة ولتجارة الرقيق وتجارة الأعضاء كذلك منتجين ومصدرين لها 

والحادث مرصود ومتكرر منذ الثمانينيات ولم يحرك أحد ساكنا

فلم الآن تم نشر هذا؟

هل اختلف المجرمون أم تولى الأمر بعض الشرفاء ؟ سؤال جدير بالتأمل

المهم هنا أننا أمام حالة اجتماعية وإنسانية وسياسية واقتصادية مشتبكة الأطراف ومتورطة في الجرائم حد الثمالة

شبكات قذرة تتجر بالبشروتشوه الإنسانية وتعتدي على القصر والأطفال مهيضي الجناح وقليلي الحيلة  ولا تقل قذارة ودونية عن شبكات تجارة الأعضاء التي تقتل البشر لتبيع أعضائهم

هؤلاء يقتلون جسديا وأولئك يقتلون معنويا وكل ذلك شر مطلق

حين يرعى الذئب الغنم وحين يسند الأمر لغير أهله وحين تضيع الأمانة فحري بنا أن ننتظر الساعة كما ورد عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم

وليس الأمر هنا مجرد انتماء للإسلام يحدونا الحديث عنه  بل كشفا للحقيقة وهي أن الإسلام غرس في أتباعه الملتزمين بمنهجه رقابة ذاتية وشعبية وإدارية تجعلهم لا يقعون بسهولة في براثن الإغواء

فما حدث بوضوح هنا نتيجة تغييب متعمد قامت بها النظم العلمانية التي تتجاهل الدين والقيم والفطرة  فينشأ في ظلها بشرا سرعان ما ينتهكون القوانين حين تبرز الإغراءات أو يغيب الرقباء وحين تغلب شهوة الجنس أو إغواء المال وحين يظنون ضعف الطرف المنتهك وعدم قدرته على التشكي

لكن الإسلام أيضا لم يترك الأمر لمجرد ضمير ولتربية بثها في المجتمع ولنظام منع فيه الاختلاط أو الاختلاء بالجنس الآخر فهذه سياجات واقية وضعها وإنما كذلك خط نظاما رقابيا يحول دون توفر أية فرصة يستغلها المرضى أو ضعفاء النفوس

إننا أمام نظام متكامل:

رقابة ذاتية وقيم مغروسة – ورقابة حكومية – ورقابة شعبية ترعى الحقوق وتحميها

ورد في كتاب : الرقابة الإداریة فی الإسلام (نماذج تطبیقیة) إعـــداد

الباحثتان أروى محمد الخویطر-  د/ خولة عبدالله المفیز ما يلي مما ذكرناه في الرقابة بأنواعها  :

إن من کمال هذه الشریعة اهتمامها بجمیع شؤون الحیاة التی تتعلق بالإنسان، ولهذا أمرت کل فرد القیام بمسئولیته على قدر موقعه ومکانته، فی الصحیح عنه صلى الله علیه وسلم قال: “کُلُّکُمْ رَاعٍ، وَکُلُّکُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِی أَهْلِهِ ومَسْئُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِیَةٌ فِی بَیْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِیَّتِهَا، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِی مَالِ أَبِیهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ، أَلاَ کُلُّکُمْ رَاعٍ وَکُلُّکُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ” 

وعلى مستوى التطبیق العملی فی عهد الرسول صلى الله علیه وسلم , نجد ما یؤکد دور الرقابة والاشراف فی تنظیم الأسس الإداریة الناشئة , فلقد ولى الرسول صلى الله علیه وسلم عددا من الولاة على المدن والولایات الأخرى کمکة والطائف والیمن وغیرها , کما أمر على السرایا , وبعث العمال على الصدقات. وفی الوقت الذی تخیر هؤلاء ممن عرفوا بالصلاح والتقوى والأمانة.

وکان الرسول صلى الله علیه وسلم یستوفی الحساب على عماله فیحاسبهم على المستخرج والمصروف

ولقد جاء فی السنة النبویة ما یؤکد هذا النهج , یقول الرسول صلى الله علیه وسلم: (من استعمل رجلاً من عصابة وفی تلک العصابة من هو أرضى لله منه, فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنین).

وکما ورد عن الخلیفة عمر بن الخطاب رضی الله عنه قوله: (من استعمل رجلاً لمودة أو قرابة, لا یشغله, إلا ذلک فقد خان الله ورسوله والمؤمنین) 

والفاروق رضی الله عنه یتحرى قبل التعیین ویتحرى بعد التعیین عن الموظف الذی عهد إلیه بعمل ما.

فبعد أن یحسن الاختیار ویصدر قرار بتکلیفه, یقول: (أرأیتم إذا استعملت علیکم خیر من أعلم ثم أمرته بالعدل ,أکنت قضیت ما علیّ؟ فقالوا نعم . قال لا, حتى أنظر فی عمله, أعمل بما أمرته به أم لا) انتهى النقل

وتأمل حكمة عمر في المتابعة والتقييم ورقابة الموظفين في أدئهم حيث لم يتركهم دون تقييم وتقويم

 الرقابة الشعبية:

وهذا أمر آخر يجب أن يوضع في الحسبان لإدراك النظام المتكامل الذي بثه الإسلام وهو انه جعل من الشعب رقيبا وهذه مزية تفوق فيها الإسلام وتقلده بعد ذلك النظم المتحضرة

 وفی القران کثیر من الآیات تنبه إلى ضرورة الاهتمام بهذه الشعیرة, ومنها:

1-  (وَلْتَکُن مِّنکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ ۚ وَأُولَٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران 104)

2- (کُنتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتَابِ لَکَانَ خَیْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَکْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران 110)

وفی الأحادیث النبویة نجد ما یؤکد هذا المبدأ الإسلامی فمن تلک التوجیهات :

1- عن أبی سعید الخدری رضی الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله علیه وسلم یقول «من رأى منکم منکراً لیغیره بیده فإن لم یستطع فبلسانه فإن لم یستطع فبلسانه فإن لم یستطع فبقلبه وذلک أضعف الإیمان»  رواه مسلم .

2- عن أبی هریرة رضی الله عنه عن النبی صلى الله علیه وسلم قال «إن الله تعالى یغار وغیره الله تعالى أن یأتی المرء ما حرم الله علیه» متفق علیه 

وعودة للبحث السابق تقول الباحثتان:

کان الخلفاء الراشدون یطلبون من الرعیة التعاون معهم فی بناء دولة اسلامیة مثلى ومجتمع مسلم أفضل من خلال لقاءاتهم بهم وخطبهم الموجهة إلیهم

وها هو الخلیفة الأول أبو بکر الصدیق رضی الله عنه یوقظ الحس الرقابی لدى الناس ویقول فی خطبته الأولى بعد البیعة العامة: «أیها الناس: فإنی ولیت علیکم ولست بخیرکم. فإذا أحسنت فأعینونی وإذا أسأت فقوّمونی، أطیعونی ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصیت الله ورسوله فلا طاعة لی علیکم ..»

کما شجع رضی الله عنه الرعیة على الرقابة المباشرة بقوله «أحب الناس إلیّ من رفع إلیّ عیوبی» وقد خطب عمر في  الناس على المنبر یوماً وقال «یا معشر المسلمین: ماذا تقولون لو ملت برأسی إلى الدنیا کذا -ومیل رأسه- فقام إلیه رجل فسلّ سیفه وقال: أجل, کنا نقول بالسیف کذا -وأشار إلى قطعه- فقال عمر: الحمد لله الذی جعل فی رعیتی من إذا تعوّجت قومنی»

 وکذلک قال عثمان رضی الله عنه فی خطبته إلى الناس: (فأنا أول من أتعظ, فإذا نزلت فلیأتینی أشرافکم فلیرونی رأیهم، فوالله لئن ردّنی الحق عبداً لأستن بسنة العبید). انتهى

اننا اذن حين نلتقط من تراثنا وحضارتنا شذرات لتبين الفرق بين ما بثه الإسلام وبين ما بثته العلمانية فإننا لا نغفل عن نقاط التعاون المشترك وإنكار المنكر المتفق عليه واستعدادنا للتعاون مع الجميع من أجل وقف الهدر الإنساني ومعاقبة من تورط في جرائم مخزية ضد الإنسانية وضد الحضارة والفطرة