خباب مروان الحمد

بين طريقة جفاة الأعراب وطريقة الأصحاب الكرام فرقٌ هائل في التعامل مع رسول الله وتشريعاته الكريمة.

وبعض الناس كأنّه لا يُحسن الاستدلال في تعاملاته؛ إلا بما صدر عن بعض الأعراب الجفاة في تعاملهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بدعوى أنّ رسول الله لم يُثِّرب عليهم فيجعل طريقتهم وكأنّها الأصل المتبع، والحق اتباع ما كان عليه صحابة رسول الله في حسن تعاملهم مع رسول الله.

حين تحدث بعض الناس عن فعل بعض السنن والمندوبات وتكثير الحسنات؛فكأنَهم اتخذوا قدوتهم الأعرابي الذي سأل رسول الله عن الواجبات الدينية فأخبره بها؛ فقال ذلك الأعرابي: «والله لا أَزيد على هذا، ولا أنقص».

فقال عليه الصلاة والسلام : ( أفلح إن صدق).

(أفلح إن صدق) هذه الكلمة تُشعر أنَّ من لا يفعل السنن مطلقاً ويحافظ على الفرائض؛ فإنّهم قلّة قليلة؛ فمهما يكن من أمرٍ فقد يحصل تقصير وتفريط ونقص إلا ما رحم الله، ولهذا عُلّقت كلمة ذلك الأعرابي بالفلاح إذا صدق في قوله؛ لأنَّ السنن من عادتها تقوم بسياجٍ وحماية للفريضة، وتكون مُكفّرة عن التقصير في الفريضة، وتكون قد هيّأت النفس للقيام بالفريضة، إلى غير ذلك.

لهذا فإنّ الواجب أن يكون قدوة المسلم صحابة رسول الله الملازمون له؛ ممَّن سابقوا بالخيرات؛ علّه يسير على دربهم؛  ولا يقصر همّته على الواجبات فحسب فمن قَصُرت همّته قلّ أن يسلم من النقص والتقصير!

ومن ذلك أنّ من آداب الإسلام وأخلاقه العظيمة ضرورة احترام مقامات الناس وأقدارهم وأهل العلم منهم ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم أو الألقاب المعروفة عنهم؛فيكون هذا من باب التوجيب والاحترام والتقدير،  لكن قد يطرق سمعك من يقول: لقد كان الأعرابي يدخل على مجلس رسول الله فيقول: أيُّكم مُحمد؟ ويخاطبه باسمه مُجرّداً فيقول له: يا محمد!

تخيّل يأتيك من يحتج لك في مخاطبته لفضلاء الناس بفعل ذلك الأعرابي؛ الذي من طبعه الجفاء والغلظة والشدة حتى أن أحدهم يقول:

يُبكى علينا ولا نبكي على أحدٍ *** لنحن أغلظُ أكباداً من الإبلِ

والسؤال هنا:

هل يستوي أن يكون خلق الأعرابي مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما هو خُلق صحابته الكرام معه في التبجيل والتقدير والتوقير؟!

هذا الخلق الشريف الذي وصف به عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه جلساء رسول الله من صحابته فقال: «وإذا تكلَّم -أي رسول الله- أطْرَقَ جلساؤه، كأنَّما على رؤوسهم الطَّير، فإذا سكت؛ تكلَّموا» [شمائل الترمذي].

إنّه لا مقام أفضل من مقام النبوة، وإنَّ غيره من البشر دونهم؛ لكن يحصل لبعضهم من الارتباط بأثر النبوة من العلم الشرعي الشريف ما يوجب القيام معهم بالاحترام والتقدير لما يحملونه من علم بالكتاب والسنة، وهذا لا ينفي أن يكون العالِمُ متواضعاً قريباً من الناس ولا يطلب من غيره أنّ يرفع فوق منزلته، لكن كما يقول الناس: الدنيا احترامات للمقامات؛ فإذا كان كلٌ في موقعه يُحترم فإنّه خليقٌ وجدير بعموم الناس أن يُقدّروا ويحترموا أهل العلم، كما هو مطلوب من أهل العلم أن يتواضعوا وأن يقفوا مع هموم الناس؛ فكل عليه استحقاق ووجوب.

ولهذا لا حجّة لمن يقول: إنّ المرء يُنادي أهل الفضل والعلم باسمهم احتجاجاً بفعل ذلك الأعرابي فهذه من الجلافة الاحتجاجية ومن الغلاظة والجفاء في النقاش؛ وتأمّل كيف كان موقف ذلك الأعرابي مع رسول الله وكيف كان حسن تعامله صلى الله عليه وسلم وتواضعه ورفقه بالأعرابي.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته، ثمَّ قال:يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء» [ أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ]

صلى الله عليه وسلم..

            رحابة الصدر فيه غير خافية   ***   من أجلها عظمت فيهم مكانته

من خباب مروان الحمد

باحث في مركز آيات