1- يحدثني الرفيق بأننا قد فقدنا توازننا فلسنا إلى فضاء الروح ولا إلى قرار المادة، ومِلنا إلى حياتنا الدنيا، وتثاقلنا عن واجبات آخرتنا التي ستبدأ بتوفية آجالنا القادمة!

2- ألا ترون أن قلوبنا باتت فارغة بلا عيون تحرسها، ولا جدران نزيهة تمنع عنها، وأن الشياطين تدخل علينا من أبواب لم تقدر على أن تأتينا منها من قبل!

3- ألا ترون أن عيوننا لا تسمح بدموع الخشية، وأن قلوبنا لا تخشع لذكر الله، وأن جوارحنا لا تقوم عند أول النداء، ولا تصطفّ في الصفوف الأولى!

4- ألا ترون أن الأمانة بدأت تُرفَع من بيننا فصرنا نتجرأ على عبادتنا بالتقصير والتأخير؛

بل كاد بعضنا يمس ولايته على مال القوم بالتجنيب والتخريج والتبرير والإدخال بلا توثيق.

5- ألا ترون أننا ندعو الناس للإنفاق والبذل ونحسّن ذلك لهم ونزينه في قلوبهم الطاهرة

ثم لا ترانا ننفق معهم ولا نعطي مما نقدر عليه ولا يكسرنا،

ولم يكن علاج ذلك بفرض البذل بالاقتطاع إذ هو غرامة مكروهة ثقيلة.

6- ألا ترون أننا نخشى نصيحة بعضنا، ونشق على أنفسنا بإيصال الملاحظة إليهم بألف حيلة حتى لا يصيبنا مكرهم ويستهدفنا نفوذهم !

7- ألا ترون أن الريبة قد سَرَت بيننا، وأن الشكّ قد تمكّن فينا، وأنّ أعراضنا قد استبيحت كما استبحنا أعراض آخرين من إخواننا !

8- ألا ترون أننا انغمسنا في قيعان شواغلنا وائتمارات أحزابنا ومهامسات اجتماعاتنا وحسابات الظلال!

أصبح الهاتف أنيس ليلنا

9- ألا ترون كيف أصبح الهاتف أنيس ليلنا ومالئ سهراتنا ولا نجد بين رسائل الواتس ومنشورات الفاسوق الأزرق وتغريدات الطائر التائه وفيديوهات المشاغلات…

لا نجد وقتا لركعتي تهجد ولا وقوف قيام ولا جلسة ذكر ولا ختم سورة في الشهر!

10- ألا ترون أننا أصبحنا قساة جفاة لا نحتمل بعضنا ولا يعذر أحدنا الآخر،

ولا نرى في صنيعه إلا الاتهام والمناورة، ولا نهشّ ولا نبشّ لبعضنا بصفاء!

11- ألا ترون هذا الكبر الذي يتطاول فيه الأخ على أخيه، ويكسر خاطره،

ويستلذ بإهانته بين إخوانه، ويلجّ في معاداته، ويستعلن عليه بالغضب، ويخلع عيوبه عليه!

12- ألا ترون أننا نبرر الغيبة في مجالسنا حتى إننا ننكر من ينكرها علينا،

وأننا نخادع أنفسنا بمزج تجريح الناس بوجه بالثناء عليهم من وجه آخر، وأن النميمة باتت خصلة فينا!

الغش في النصيحة

13- ألا ترون أننا نستمرئ الغش في النصيحة،

ونؤخّر البيان عن وقت الحاجة، وندفع بالناصحين إلى الوراء، ونتجنّب مجالستهم!

14- وألا ترى أننا لا نكاد نمتدح أخاً عاملاً بيننا في عبادته ورقة قلبه وسلامة صدره وصلاح حاله وإيثاره لإخوانه وزهده عن الخوض فيهم،

ونرى في هؤلاء ثلة من الدراويش الغافلين الذين لا مستقبل لهم في عالمنا الفاتن!

15- ألا ترى أننا نغفل عن حمد الله وشكره على كثرة ما آتانا من دوام فضله، وما خصّنا به من مزيّة،

ولم ندرك أنه قد أصابتنا آفة العادة، وأننا اقتربنا من ظلال مَن نعيب عليهم بُعدهم عن ربهم!

16- ألا ترون أننا حُرمنا من بركة الأوقات وبركة الأعمال

فلا تكاد ترى لنا مشروعاً جديداً ذا أثر عميق مستديم كما كان الحال من قبل،

وأن الأزمنة لم تعُد تستدير لنا لنستأنف عن ثقة!   

17- ألا ترون أن قلوبنا قد أُشرِبت حب الفتنة، حتى كثرت النكتات فيها،

ونخشى أن يدركنا وصف رسول الله لها بأنها تصبح سوداء مِربادة، مُجخّية الكوز مقلوبة،

لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، تتبع ما أٌشرِب من هواها!

18- وقبل أن تنكسر أبواب الفتنة علينا، وتتكاثف علينا غيايات الضباب

فسنحتاج حقاً إلى أن نغسل أوقاتنا أو نحكّ الصدأ الذي يأكل حديد قلوبنا ويذيبه…

بسقاية التوبة، واستدامة الذكر، وارتعاشة القلب الخاشع، واستئناف التزكية، والفرار إلى الله! 

وهي موعظة لي ولك قبل أن تكون لهم …

من د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني