الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: هناك طريقة في الأضحية متبعة في بعض بلداننا، ملخصها أن يذهب راغب الأضحية إلى الجزار أو التاجر فيتفق معه على شراء بهيمة معينة تبقى على نيته، ويتفق معه على أن يكون ثمن الكيلو بعد الذبح كذا، وبناء على ذلك يقوم الجزار بذبحها وسلخها وتقطيعها، ثم يتم وزن اللحم وتحديد ثمن البهيمة بناء على اتفاقهم السابق في سعر الكيلو، فهل تصح هذه الطريقة في الأضحية؟

والجواب: أن هذه الكيفية في الأضحية غير صحيحة، ومن فعل ذلك لا يعد مُضحياً، وإنما هو قد اشترى لحماً، له أن يأكل منه،وله أن يتصدق منه، ويهدي، لكنه ليس من النسك -أي الأضحية- في شيء. وذلك لأن من شروط الأضحية أن تكون الأضحية مملوكة للمضحي، أي أن تكون في ملكه وهي حية، أو يأذن له مالكها في التضخية بها.

أما في الصورة المذكورة فإن البهيمة حين ذُبحت لم تكن قد دخلت في ملك مُريد الأضحية، وإنما تدخل في ملكه بعد الذبح، وما حدث بينه وبين مالك البهيمة من الاتفاق على شراء تلك البهيمة بسعر كذا للكيلو، لا يُدخلها في ملكه؛ ولا يعد ذلك بيعاً باتفاق الفقهاء، وإنما هو مجرد مواعدة بينهما على البيع والشراء بعد الذبح. فإنَّ من شروط صحة البيع المتفق عليها أن يكون الثَّمن معلوماً للعاقدين.قال ابن المنذر في كتابه (الإجماع ص: 99): (أجمعوا على أنَّ من باع سلعةً بثمن مجهول غيرِ معلوم،ولا مُسمى، ولا عيناً قائمةً؛ أنَّ البيع فاسد). وقال ابنُ عبد البر في الاستذكار (6/ 433): (السُّنة المجتمَعُ عليها أنَّه لا يجوز الثمنُ إلا معلوماً).

وقد نصت كتب المذاهب الأربعة على ذلك كما في المجموع من كتب الشافعية (9/ 333). وحاشية ابن عابدين من كتب الحنفية (4/ 529)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير من كتب المالكية (3/ 15). ومن كتب الحنابلة زاد المستقنع للحجاوي، ففيه من شروط البيع ( وأن يكون الثمن معلوماً ). قال ابن عثيمين في شرح ذلك (الشرح الممتع : 8/ 169): (فيشترط أن يكون الثمن معلوماً كما يشترط أن يكون المبيع معلوماً،والدليل حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ـ: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الغرر». [أخرجه مسلم 1513]، ولأنه أحد العِوضين، فاشترط فيه العلم كالعوض الآخر).

ومقصوده بالعوض الآخر السلعة، فكما أنه لا يصح بيع المجهول لما ورد في من الأحاديث في النهي عن ذلك، فإنه بالقياس لا يصح البيع بالثمن المجهول.. وفي الحالة المسئول عنها لا يُعلم الثمن إلا بعد الذبح، بل إن المُثمَّنَ أيضاً لا يعرف إلا بعد الذبح، لأننا وإن عيَّنا تلك البهيمة، إلا أن البيع حقيقة لا يقع عليها، وإنما يقع على كمية اللحم التي ستخرج منها، وهذا أمر لا يمكن معرفته إلا بعد الذبح كما هو واضح من الطريقة المشار إليها آنفاً.

وإن مما يدل على عدم تملك المضحي للبهيمة بمجرد هذا الاتفاق أن نفترض أنَّ تلك البهيمة قد هلكت قبل وقت الذبح، فعلى من سيكون ضمانها؟. إنَّ المفهوم من هذا الاتفاق أن الذي يتحمل الضمان هو صاحبها الأصلي، وليس له أن يطالب مُريد الأضحية بشيء، وذلك لأن الاتفاق بينهما يقضي بأن مُريد الأضحية لن يدفع شيئاً قبل أن تُذبح البهيمة ثم توزن، وهذا ما لا يحدث في حال هلاك البهيمة قبل ذبحها. ومعنى ذلك أن البهيمة لا تزال في ملك صاحبها، وأن مريد الأضحية لم يتملكها بعد.

هذا وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بنفس هذا الذي قلناه؛ حيث نشرت على صفحتها الرسمية -كما ذكر موقع اليوم السابع بتاريخ 17/ 7/ 2021م- فتوى بخصوص هذه المسألة بعينها،جاء فيها أن ذلك لا يصح، وأن ذلك البيع بيع فاسد؛ لأنه افتقد ركناً أساسياً من أركان البيع، وهو الاتفاق على الثمن، قبل إجراء الذبح. فعلى ذلك لا تصح الأضحية بهذه الطريقة ولا تكون مجزئة.

هذا والله تعالى أعلم.

د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين

28/ 11/ 1444هـ -17/ 6/ 2023م

من د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين