أخرج مسلم (1977) من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) وفي رواية: (فلا يمس من شعره وبشره شيئاً).

والحديث أخرجه أيضاً أصحاب السنن الأربعة.

وقد احتج بهذا الحديث من ذهب من العلماء إلى حرمة أن يأخذ مَن نوى الأضحيةَ شيئاً من شعره أو أظفاره أو بشره (والبشرة ظاهر الجلد) إذا رؤي هلال ذي الحجة كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول سعيد بن المسيب وداود الظاهري وبعض أصحاب الشافعي ،كذا ذكر الإمام النووي في شرح مسلم (7/ 154).

لكن خالف في ذلك بعض أهل العلم، بل ذهب الجمهور إلى أن النهي للكراهة فقط، كما هو قول الإمامين مالك والشافعي، وهو قول لبعض الحنابلة كما ذكر ابن قدامة في المغني (11/ 96) . وأما الإمام أبو حنيفة فقد نسب إليه ابن قدامة، وكذا النووي في شرح مسلم (7/ 154) القول بالجواز بلا كراهة، ومال بعض متأخري الحنفية إلى القول بالكراهة فقط، كما هو قول ابن عابدين في حاشيته: (2/ 177) . 

وليس المجال هنا مجالَ مناقشةِ تلك الأقوال، وإن كنت أرى أن الأقرب والله أعلم هو القول بالحرمة، وذلك لما مرَّ في الحديث من النهي الصريح عن ذلك. ومع ذلك فلا بد من التسليم بأن مثل هذه المسائل الفقهية مما يَقبل الاجتهاد، ويسوغ فيه الخلاف، فلا يصح تشديد النكير على من خالف فيها. 

وعلى كل حال، فإنه على القول بالتحريم أو الكراهة يحسن التنبيه على أمور منها:

1- أن النهي عن الأخذ من الشعر أو الأظفار أو الجلد لا يعني عدم صحة الأضحية لمن وقع منه شيء من ذلك، بل الأضحية صحيحة مجزئة بإذن الله، وليس عليه فدية ولا كفارة، وإن كان يلزمه -على القول بالتحريم- التوبة والاستغفار؛ قال ابن قدامة في المغني بعد أن نصر مذهب الحنابلة في التحريم: (فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعاً، سواء فعله عمداً أو نسياناً).

2- من نوى الأضحية قبل دخول الشهر فإنه يمسك عن هذه الأشياء مع بداية العشر الأوائل من ذي الحجة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة…. إلخ). ويبدأ ذلك بغروب شمس آخر أيام ذي القعدة، وذلك أن الليالي في شريعة الإسلام سابقة على الأيام.

3- وأما من لم يكن نوى الأضحية، ثم نوى في أثناء العشر فإن هذا الحكم لا يلزمه إلا من وقت نيته لقوله: (وأراد أحدكم أن يضحي) فعلق الأمر بإرادة الأضحية، وهي النية.

4- إنما يُمنع من الأخذ من الشعر والأظفار المُضحِّي وحده دون أهل بيته، وذلك لأن الخطاب في الحديث موجه لمن أراد أن يضحي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأراد أحدكم أن يضحي)، ولم يقل: (أو يضحى عنه)؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك، كما ذكر الشيخ ابن عثيمين في: (أحكام الأضحية والذكاة).

5- بعض العامة حين يذكر لهم هذا النهي يفهمون أن المضحي يمنع من كل ما يمنع منه المُحرم وبخاصة أمر الجماع، والصحيح أنه لا يلزمه اجتناب شيء آخر مما يجتنبه المحرم، غير ما ذكر في الحديث.

6- نهاية هذا المنع بالذبح، فمتى ذُبحت الأضحية جاز له ما كان منهياً عنه، وذلك لما جاء في بعض روايات الحديث عند مسلم وأبي داود: (.. فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يُضحي). وقد رأيت لبعض أهل العلم المعاصرين كلاماً مفاده أن العبرة بدخول وقت الذبح وليس الذبح حقيقة، ولكن الأولى -والله أعلم- الالتزام بما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يضحي).

7- من انكسر له ظفر فتأذى به، فله قص ما يتأذى به، وكذلك الشعر، مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه. وذلك لأن هذه الأشياء جائزة بالنسبة للمحرم بالحج والعمرة إذا احتاج إلى شيء منها، وهو منقول عن ابن عباس فيما رواه الدارقطني والبيهقي وصححه الألباني في حجة النبي صلى الله عليه وسلم (ص: 28)، ونقل الإجماع على ذلك ابن قدامة في المغني (3/ 26)، وما دام ذلك قد جاز في الإحرام فهو في حالة الأضحية -المختلَف في حكم المنع فيها أصلاً- أولى بالجواز.

8- هذا الحكم لا يتناول الوكيل؛ فمن وكَّلّ شخصاً بأن يذبح عنه فإن صاحب الأضحية هو المخاطب بهذا الحكم، أما الوكيل فلا يمنع من ذلك إلا إذا كان مضحياً عن نفسه أيضاً.

9- وأما الحكمة من هذا النهي، فقد قيل كما ذكر النووي في شرح مسلم: إن الحكمة أن يبقى المضحي كامل الأجزاء ليعتق من النار كاملاً. ثم غلَّط القول بأن حكمة ذلك التشبه بالحجيج، فقال: (قال أصحابنا: هذا غل؛ لأن المضحي لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم). انتهى كلام النووي رحمه الله. والظاهر -والله أعلم- أنه لا يمتنع أن يكون التشبه بالحجيج مقصوداً أيضاً، إذ لا يلزم المشابهة من كل وجه، وذلك أن المضحي -كما يقول الشيخ ابن عثيمين في (أحكام الأضحية والذكاة )- لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك، وهو التقرب إلى الله بذبح القربان، شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر والظفر ونحوه.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

د. عبد الآخر حماد

7/ 12/ 1444هـ- 25/ 6/ 2023م

من د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين