أولع الناس بقصص النجاح التي ينشرها بعض (الناجحين!!!) أو يعقدون لها دورات خاصة وعروض مغرية، وهي -في الأصل- شيء جيّد؛ لأنها نقل لخبرات قد تنتفع بها الأجيال، ونشر لتجارب قد تنفع بعض الناس.

 ولكنني اُنبّه على أمرين:

الأول:

أن أغلبهم يفهم النجاح بأنه الحصول على المال، وشراء البيوت والسيارات والتمتّع في الحياة بالثروة والشهرة، ويربط كل كلامه بذلك.

والحقيقة أن النجاح في الحياة أوسع من ذلك، فقد يكون الإنسان فقيرا وقليل ذات اليد،

وهو يعيش الرضى والطمأنينة، وينعم بالعافية، والحب وحسن الخلق، وهذه من أهم مظاهر النجاح لو كان الناس يعقلون.

في حين أن بعض أصحاب الثروات يعيشون كل صنوف التعاسة ويشتاقون إلى ما ينعم به غيرهم من العافية واستقرار البيوت وصلاح الذرية وغير ذلك.

والأحق من هذه الحقيقة أن النجاح الحقيقي يتعلق بالفلاح في الآخرة، وهو قليل الذكر عند كثير ممن يتكلم عن النجاح،

ويربطه بالثروة والمناصب والشهرة. مخالفين بذلك هدي الأنبياء ومنهج القرآن. هداهم الله.

 قال تعالى مبيّنا من هم المفلحون:

{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم هدًى وَرَحْمَةً لِّلْمحْسِنِين الَّذِينَ يقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهم بِالآخِرَةِ همْ يوقِنُون أوْلَئِكَ عَلَى هدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ همُ الْمفْلِحُون}

وقال -أيضا-:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يوقَ شحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ همُ الْمفْلِحُون}

وقال مبيِّنا من هم الفائزون:

{وَمَن يطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأوْلَئِكَ همُ الْفَائِزُون}

وقال مبيّنا الفوز الحقيقي:

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هوَ الْفَوْزُ الْمُبِين}

الأمر الثاني:

الربط المبالغ فيه بين الأخذ بالأسباب ووقوع المسبَّبات، خاصة في موضوع الرزق والمال،

ونحن لا ننكر أن الله ربط الأسباب بالمسببات، لكنه لم يجعلها آلهة تتصرف في الكون كما تشاء،

إنما ربطها بإرادته ومشيئته، وأكثر القوم لا يكادون يذكرون قدرة الله وسلطانه على ما يحصل في الكون،

تأثرا بخطاب الكفار الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ومغفلين مثل قوله تعالى:  

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}

وقوله: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا توعَدُون}

فانتبهوا إلى هذه المقاطع، وخذوا منها ملا يتعارض مع موازين دينكم التي هي موازين الحق،

لكيلا تتضرروا بتجارب قد تكون عواقبها شرّا عليكم والعياذ بالله.

د. عبد الحليم قابة

من د. عبد الحليم قابة

كاتب وباحث جزائري. أستاذ بجامعة الجزائر سابقا وبجامعة أم القرى حاليا