لم أتدخل من قبل في النقاش العالمي غير المسبوق حول النسخة القطرية لكأس العالم لكرة القدم، حتى قرأت اليوم ما كتبه صحفي حاقد في جريدة مفنرسة جزائرية.

يحمل هذا الصحفي نفس الخلفية التي جعلت الدول الغربية ونخبها تشن حملة عدوانية عنيفة على قطر. ليس صحيحا أن سبب الحملة يتعلق بحقوق الإنسان، ووضعية المرأة وحقوق العمال في بناء المنشآت الرياضية.

لقد أجابهم ببلاغة رئيس الفيفا جيوفاني أنفنتينو حين وصف الأوربيين بالنفاق وطلب منهم أن يعتذروا 3 آلاف سنة مقبلة على ما اقترفوه مدة 3 آلاف سنة سابقة في حق الإنسان.

يطلب هذا الصحفي من الغربيين أن يقاطعوا قطر وليس كأس العالم فقط بسبب حقوق الإنسان،

وهو يعلم أن أعظم المظالم والاعتداءات على حقوق وثروات الشعوب وعلى العمال الأجانب الذين يشتغلون في ظروف لا إنسانية بلا وثائق إنما هو من هذه الدول المنافقة،

وربما هو صحفي غير مثقف لا يعرف استعباد الشركات الصناعية في الألبسة الرياضية الغربية، كـ«أديداس» و«بوما» و«نايك» للعمال الفقراء والأطفال في كمبوديا وبنغلاديش وإندونيسيا وفييتنام وغيرها،

ولكن لا شك أنه يعلم كذلك أن استعمال الغرب لحقوق الإنسان إنما هو لابتزاز الحكومات والشعوب، وللتعبير عن حقدها على الثقافات والحضارات الأخرى.

ربما من بواعث هذا الصحفي تعاطف مخفي مع المثليين، ويا له من انحراف للبشرية أن تكون lلمثلية سببا في هذه الحملة الشعواء الحاقدة.

إن الحضارة الغربية تدمر نفسها من الداخل كما يقول صاحب كتاب «قصة الحضارة» وليام ديورانت،

وهي ستنتهي بالانتحار كما يقول المؤرخ المشهور أرنولد توينبي، ومن أسباب انتحارها هذه الانحرافات العظيمة عن الفطرة البشرية.

لقد فجر الغربيون الأسرة الحافظة لكيانهم الاجتماعي وهم الآن يدمرون ما بقي منها كعائلة مكونة من زوج وزوجة وأولاد،

وحين رأوا حضارتهم تنتحر وشعوبُها تنقرض على المدى البعيد ها هم يريدون تعميم مصائبهم على العالم بأسره وفرض الانحراف النفسي والأخلاقي على البشرية جمعاء بجبروتهم ومالهم وإعلامهم ومؤسساتهم.

شكرا قطر،

شكرا أيها البلد الشقيق أنك وقفت كالطود الأشم في وجه هذه القوى المُفسِدة في العالم، وفي وجه أزلامها في بلادنا.

إن الذي جعل قطر يصمد إلى الآن هو تمسكه بثقافته واعتزازه بدينه،

بل أنه أظهر أكثر من ذلك إذ حوّل هذه المناسبة العالمية الكبرى إلى ساحة عظيمة للدعوة إلى الإسلام

فجعل في كل غرفة وفي كل محل تطبيقا إلكترونيا يعرف بالإسلام،

ولكي يحبب الأذان للقلوب كلف به أصحاب الأصوات الشجية في كل المساجد، وقدم سكانه صورة رائعة لأخلاق الإسلام وسماحته،

ولا شك أن الأوربيين، وصحيَّفنا، أن وضع المرأة في قطر أحسن بكثير من وضع المرأة عند الغربيين

حيث لا قيمة عند أغلبهم إلا بجسدها، حيث لا شفقة ولا رحمة بها، حيث تؤكد الإحصائيات بأن أشد وأكثر حالات العنف ضدها عندهم.

نجاح كبير للنسخة القطرية لكأس العالم

ومما زاد في حقد الأوربيين والمـعقدين بالثقافة الغربية عندنا، النجاح الكبير للنسخة القطرية لكأس العالم من كل الجوانب،

حتى قال عنها المتخصصون أنها أنجح بطولة كروية،

وليس صحيحا أن سبب النجاح هو المال فقط، فقد أظهرت قطر تميزها في جوانب أخرى كثيرة،

ثم كم هي الدول الميسورة ماليا التي فشلت ولا تزال تفشل في حسن استغلال مواردها المالية والبشرية!

إنه لم يبق من سبب مقنع يفسر حجم الانتقادات الظالمة عند هؤلاء سوى حقـ.دهم على المسلمين وعلى العرب وعلى الشرق، سوى غرورهم وتكبرهم وتجبرهم،

سوى شعورهم بأن زمن احتكار العلوم والإدارة والحضارة قد ولى وأن دولا من غيرهم بدأت في النهوض.

شكرا قطر، رغم أنوفهم!

د. عبد الرزاق مقري

من د. عبد الرزاق مقري

سياسي ومفكر جزائري، رئيس حركة مجتمع السلم، الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة.