هناك مثل في بلادنا «الجزائر» له معنى نفسي واجتماعي كما هو شأن الأمثال الشعبية: «الظَّهر اللاّطي يسهل ركوبو».

لم يكن ذلك الصحفي المسكين سوى رجل يسهل قهره، قام بمهمته في نقل خبر كان قد نشرته السلطات الفرنسية في موقع حكومي رسمي وتناقلته وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية.

وبعد أن تم إلقاء القبض على الصحفي تحركت أجهزة البروباغاندة المعلومة، وبعض وسائل إعلامنا التابعة، والعقول الساذجة عبر الوسائط الاجتماعية لجعله «كبش فداء» للتغطية على جريمة اقتصادية وأخلاقية في حق وطننا المغبون المسكين.

إذا كانت الجريمة هي تصنيف «دقلة نور» كمادة غير صحية بمبيدات ممنوعة من قبل المخابر الفرنسية ورد ما تم تصديره منها إلى ذلك البلد فإن المجرم ليس الصحفي،

بل هي السلطات الفرنسية التي استُقبل رئيسُها في بلادنا استقبال الحلفاء، وتم إعطاؤه عبر الاتفاق المبرم ما لم يعط لغيره، وشُيِّع في مغادرته  تشييع الفاتحين.

لا يمكن، بالطبع، لوم أي بلد يرفض مادة ممنوعة وفق معاييره القانونية مهما كانت الخصومة معه، ولكن المشكل في ازدواجية المعايير في الموقف من الصحفي ومن السلطات الفرنسية.

يتحدث بعضهم عن رفض الصحفي تقديم مصدر معلوماته، بكل احتيال أو سذاجة، مع أن المصدر منشور في موقع رسمي للحكومة الفرنسية كما قلنا.

ويعتمد البعض الآخر، بكل مكر أو سذاجة، في إغراق الصحفي باتهامه بأنه أعطى فرصة للأعداء لضرب الجزائر.

وهم يقصدون، وتارة يصرحون، بأن هذا العدو هو المغرب. 

مع أن أبواق الدعاية المغربية مصدر خبرها الأول هو فرنسا وليس الصحفي.

علاوة على أن البلدين الشقيقين قد توغلا في مخطط الشحن لخدمة أهداف الاستعمار الغربي الصهيوني قبل ذلك،

وقد كان الاشتباك بالأيادي بين أبنائنا الأبرياء  المشحونين من البلدين في نهائي كأس العرب للناشئين قبل سبع عشرة سنة  تعبيرا مخيفا عن ذلك، وما هو آت في هذا الشأن نسأل الله فيه العافية.

ربما كان بإمكان السلطات الفرنسية أن تتصرف بمقتضى «الصداقة» المعلنة لتجنيب الجزائر الفضيحة ليكون رد التمور ردا جميلا، إذا كانت معالجتها الكيميائية تتعارض مع معاييرها وقوانينها كما يقولون.

ولكن ما قصة معالجة التمور بمبيدات غير صحية؟

ما حقيقة الأمر؟ ومن المسئول؟

هذا هو السؤال الذي يُطرح قبل الحديث عن موضوع تصدير التمور،

وقبل ردها من قبل السلطات الفرنسية،

وقبل نقلها في وسائل الإعلام، ودون الحاجة للسجن الظالم للصحفي.

كثير ممن أنكروا على الصحفي، وأنكروا علينا بياننا المندد بسجنه، رفعوا حجة معيشة الفلاحين وما سيتعرضون إليه من مخاطر في تسويق منتجاتهم في هذا الموسم والمواسم القادمة.

لا شك أن الفلاح هو الضحية الكبرى في كل هذه القضية، ولكن من الذي أضر به؟

أليست المصالح الحكومية المختصة المشرفة على تحديد ومراقبة معايير معالجة المنتجات الفلاحية وتسويقها؟

كيف يستطيع الفلاح أن يعرف هذه المعايير؟

ومن أين يحصل على مواد المعالجة؟

وإذا تجاوز بعضُ الفلاحين المعايير عالمين ومتعمدين فمن يمنعهم؟

وهل يمكن تصدير أي منتج فلاحي دون رقابة حكومية؟

وإذا كان لا بد من تسيير الأمر مع السلطات الفرنسية لكي تتعامل مع المشكل بما لا يضر المصلحة الجزائرية فمن يقوم بذلك؟

كل هذه الأسئلة توجه لمسئول واحد، هي السلطات الجزائرية!

وبدل إجراء تغييرات حكومية شكلية لا تغير من الأمر شيئا كان الأولى النظر  في سوء التدبير الشامل

الذي يطبع منظومة الحكم كلها، والتي لا تعد أزمة التمور إلا واحدة منها.

والسؤال الآخر الكبير الذي يُطرح: ما هو مصير هذه التمور التي وصفت بأنها غير صحية؟

ما هي حقيقة الأمر؟

وهل ستتلف هذه التمور إذا كانت خطيرة على الصحة أم سيتم تدويرها في السوق الجزائرية ليستهلكها المواطن الجزائري؟

وهل ثمة مواد فلاحية أخرى تعالج بشكل غير صحي في بلادنا لا نعلمها؟

د. عبد الرزاق مقري

من د. عبد الرزاق مقري

سياسي ومفكر جزائري، رئيس حركة مجتمع السلم، الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة.