بترول وذهب وعملات

يقول الدكتور فهد بن سعد الماجد – الأمين العام لهيئة كبار العلماء عضو المجمع الفقهي الإسلامي- جريدة الرياض السعودية ( 20/5/2017 م ) :

نحن نعرف: أن فكرة: “الربح من التجارة” إحدى أهم الأفكار في علم الاقتصاد “وهي ليست فكرة جديدة”، وأن الناس والدول في عالم اليوم يميلون إلى التخصص في حقل معين، ثم مبادلة ما ينتجونه مع ما يحتاجونه من الدول الأخرى
فعلى سبيل المثال: حققت اليابان نمواً إنتاجياً هائلاً بالتخصص في صناعة سلع السيارات والالكترونيات، وهي تصدر الكثير من مخرجاتها الصناعية لدفع قيمة وارداتها من المواد الخام.
كما نعرف: أن الدول التي جربت “استراتيجية الاكتفاء” الذاتي لم تنجح، وأن التجارة تغني جميع الأمم، وترفع من مستوى معيشة كل شخص

كما يقول أ. سامويلسون ويليام و د. نورد هاوس هذا المشهد الاقتصادي في التبادل التجاري عند تطويره بإدخال بعض العناصر الثقافية، التي تنقل العلاقات الاقتصادية من علاقات مادية بحتة إلى علاقات ذات بعد حضاري يؤسس للحوار والنقاش الهادف البناء الذي يسهم في فهم الآخر وخصوصياته وثقافاته، لا شك أنه سيسهم في مواجهة الإرهاب وإضعاف حججه ومنطلقاته.
ونتطلع أن تولي القمة العربية الإسلامية الأميركية هذا المحور الاهتمام والتطوير.

ونقول :
لو كان الاقتصاد نفسه مستقلا عن السياسة وعن تأثيراتها لكان هذا الكلام صحيحا بكل زواياه لكن المشكلة أن تلك المتغيرات متشابكة ما بين المصالح السياسية والتصورات الدبلوماسية والنشأة الفكرية والقناعات الثقافية والتعصبات العرقية وكلها تتحكم في تدفق الاقتصاد نفسه إعطاء ومنعا

فكم من العلاقات الاقتصادية بين الدول – وأحيانا الأفراد – قامت لإغراءات سياسية أو منعت كعقوبات سياسية والأمثلة أكثر من أن تحصى
أتوقع أن الجملة التي كتبها الكاتب في آخر المقالة تؤيد هذا -وإن لم يكن يقصده هو – حين قال :”أن تولي القمة العربية الإسلامية الأمريكية هذا المحور الاهتمام والتطوير “

وهو دليل على أن أهل السياسة هنا يتحكمون في تدفق الاقتصاد أو منعه وهو ما يعبر عنه بعض المحللين بأن الزيارة نوع من الابتزاز الأمريكي للمنطقة في مقابل إغراءات أخرى تقدمها المنطقة لتوقي الموجة الهادرة التي تحملها اتهامات الرئيس الأمريكي للمسلمين بالإرهاب ولحكام المنطقة بمسؤوليتهم عنه ومحاولة صياغة قوانين تساهم في تقنين هذا الابتزاز كقانون ” جاستا ” على سبيل المثال

لو أضفت إلى ذلك – أي التداخل بين السياسة والاقتصاد – أفكارا تنبع من تصورات ثقافية كفكرة الحرص على احتكار روافد اقتصادية كثيرة كالتكنولوجيا والأسلحة وما يشبه ( ضمان تفوق الكيان الإسرائيلي على سبيل المثال رغم استعداد المنطقة لشراء أسلحة متطورة لكنها لا تستطيع الحصول عليها بالشراء ) لعلمنا من ذلك أن الأمر أكبر من مجرد علاقات إقتصادية وتجارية متدفقة

ومن ثم تبرز فكرة الاكتفاء الذاتي الذي يقلل الكاتب منها كحل لا مناص منه – وإن لم يكن معناه الانكفاء الذاتي – على الأقل فيما هو من أساسيات تكوين الدول وبناء اقتصادها القائم على الاستقلال في الغذاء والدواء والسلاح والتعليم كأساسيات للدولة لا يستغني عنها وما يأتي بعد ذلك فالتدفق التجاري أو الاقتصادي يعوضه

وفي حقيقة الأمر فإن هناك عالما خفيا في الاقتصاد يختلف كثيرا عن العالم المعلن عالم تجد فيه لاعبين متوارين لكن لهم أدوارا ضخمة حتى في السياسة نفسها
وكمثال مهم لهذا الشركات المتعددة الجنسيات التي تملك ميزانيات أضخم من كثير من الدول المتوسطة نفسها فهل تمسك عن التدخل في السياسة بينما هي تدير إمبراطوريات ضخمة ؛لا تنس دور المصارف الكبرى في أزمة 2008 المالية ودور «فايسبوك» و «غوغل» في عالم «الأخبار الكاذبة … على سبيل المثال

ويعتبر الاحتكار أحد اكبر الاختلالات والظواهر غير الصحية المنافية لمبادئ التبادل التجاري ومنظومة الاقتصاد الحر المتبعة في اسواق الدول المختلفة .
حيث هناك اشكالا عدة للممارسات الاحتكارية منها عمليات حرق الأسعار التي تندرج تحت إطار بيع السلع بأسعار تقل عن سعر التكلفة لخلق وضع احتكاري بالسوق. بهدف القضاء على صغار المنافسين الذين لا يستطيعون الصمود والاستمرار.
ويعد الاندماج والاستحواذ نوعا آخر من الاشكال الاحتكارية
فالاقتصاد إذن يأخذ أشكالا عدة وتتحكم فيه ظروف عدة ولا فكاك له عن السياسة وبقية العناصر الأخرى في إدارة العمليات الناعمة لقوى الدول وتصرفاتها بل وهو كما نعلم يعد دافعا كبيرا للمواجهات المسلحة والعدوان من أجل أهداف اقتصادية متنوعة
خذ مثالا الصين وهي لها مصالح تجارية متشابكة فإنها بادرت إلى اعتبار باب المندب والبحر الأحمر من أهم الروابط البحرية في تجارتها، وأحد أهم أضلاع تقوية طريق الحرير لحماية سفنها والتواصل المباشر مع أفريقيا الجنوبية لذا فهي تعمد على التدخل السياسي والعسكري في ذلك الطريق المهم وهو ما يتطلب اعتماد سياسات متعاضدة ( سياسية واقتصادية مع دول تلك المناطق وبما يشمل أحيانا استخدام القوة أو التهديد بها ، حيث الأشغال جارية لبناء قاعدة عسكرية في عام 2017، ستضم 10 آلاف جندي صيني في جيبوتي .
– مثال آخر في دولة مثل الكيان الصهيوني تدعي الدخول في المجال الاقتصادي لدول كثرة بينما عينها بالأساس على السياسة والدبلوماسية وأحيانا العسكرية

انظر مثلا إلى علاقاتها التجارية والاقتصادية مع إثيويبا وتعد إثيوبيا الحليف الأول لإستراتيجية إسرائيل في المنطقة، وبوابتها الطبيعية، إلى بقية دول القرن الإفريقي حيث استمرت إسرائيل منذ عام 1949م في تقديم مساعداتها العسكرية لجميع حكام إثيوبيا، بما فيهم الماركسي منجستو هيلي ماريام فانظر إلى التداخل بين الاقتصاد والسياسة والأهداف المختلفة

حيث يعود الاهتمام الإسرائيلي بالقرن الإفريقي بصفته أهم موقع استراتيجي بالنسبة لهم من الناحية الأمنية في المنطقة الإسلامية العربية، التي عرفت إعلاميا بالشرق الأوسط

وتشمل سعي إسرائيل للخروج من عزلتها والحصول على المزيد من الشرعية الدولية، وإقامة علاقات دبلوماسية مع أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية كمدخل للقيام بنشاطات أخرى اقتصادية وأمنية، وكوسيلة لنفي الصورة العنصرية للكيان الصهيوني، من خلال القيام بنشاطات إعلامية وثقافية وتقديم مساعدات متنوعة، بالإضافة إلى السعي لكسب ودعم السود في أميركا وللمواقف والمطالب الإسرائيلية على الساحة الأميركية
وهي أهداف دبوماسية وثقافية أيضا لا يمكن فصلها عن الاقتصادية

توجه إسرائيل نحو دول أفريقيا ظل دائما يشكل جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي، وجزءا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التفوق العسكري واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية -خاصة مصر- وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الأفريقية وهو مثال للتداخل بين الاقتصاد والسياسة .

وكذلك تحاول إسرائيل دائما استغلال وتعميق الخلافات العربية مع بعض الدول الأفريقية، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا.

وما ذكرناه هنا عن الكيان الصهيوني – وهو بلا شك حاضر في القمة المشار إيها بصورة أو أخرى – يقال أيضا عن النظام الحاكم في إيران : الاقتصاد كإغراء سياسي والسياسة المتحكمة في الاقتصاد

السؤال المهم الآن : لم لا تقوم الدول العربية نفسها بأدوار متشابهة وتستفيد من الإمكانات الاقتصادية لديها في القضاء على مشاكل المنطقة والتكامل الاقتصادي بينها والاستفادة من ذلك في القضايا الدبلوماسية والسياسة لا كمجال لتقديم العروض المغرية دون حساب ولا خضوعا للابتزاز ولكن كأمة ذات حضارة تعامل غيرها معاملة الند للند والقرين للقرين ومعاملة من يدرك قيمة وحجم ما لديه من نقاط قوة فيحسن استغلالها وتطويعها للفائدة العامة ولتجنب الاعتداء والابتزاز …نأمل ذلك