رضا بودراع

لازالت الأزمة الأوكرانية تكبر ككرة النار لتخلط الأوراق في العالم  بشكل مفاجئ

في تصريح للخارجية الألمانية أن الأوضاع في أوكرانيا «تخرج عن نطاق السيطرة»

 وتحتاج إلى كبح جماحها لتجنب اشتباك عسكري مع روسيا.

وقبل أكثر من شهرين تحت عنوان «مسار خاطئ» حذر شتاينماير من أن «الموقف الخطير بالفعل» في أوكرانيا دخل «بعدا جديدا تماما».

 في حين أن القطب الغربي يحاول تشتيت الانتباه الدولي عن أزمة أوكرانيا نحو سوريا والعراق بإرسال المبعوثين والوزراء الأمريكيين من جون فورد إلى منببيو .

طبعا يريدون اللعب بهدوء هناك وبدون تركيز إعلامي.. ويحاولون ضبط غضب الدب الروسي أثناء الصراع متيحا له مجال التنازلات بأقل إحراج دولي…

لكنهم كما يبدو لم يفهموا مهمة بوتن بعد ..

ربما يريدون إخفاء الحقيقة أمام شعوبهم.. لكن لازال بوتين يقود عبر توليفة أرثوذكسية مع عصب مافياوية تهدف لبعث روما الثالثة ولو على أنقاض زنادقة الكاثوليك في أوروبا كما يرونهم..

اليوم ما عاد الأوروبيون يرون سيناريو انهيار الاتحاد الأوروبي فقط بل قلوبهم خاوية فزعا من الحرب الطائفية التي تلوح بالأفق.

والتي تمثل الأزمة الأوكرانية بؤرة الزلزال ومركزه

فمنذ قرن ونصف كان المركز الذي يحكم مفاصل العالم يتكون من عصبة صليبية بكتلها الثلاث الكاثوليكية والأرثوذوكسية  والبروتستانتية ..

لكن بعد الحرب العالمية الثانية وبروز قوى وثنية كالصين واليابان والهند وكوريا(قبل انقسامها)..

 فاحتوت أمريكا  اليابان وكوريا الجنوبية.. واحتوت بريطانيا الهند ..

 أضيف للمركز صوت يمثل الكتلة الشِركية بقيادة الصين بعد فشل احتواءها

وتبدو صورة  هذه العملية جلية في مجلس الأمن في أصحاب حق النقض(الفيتو) وأهدافه و آلية عمله..

ومن باب القدر تزامنت الثورات العربية مع أمرين عظيمين، يجتهد المركز الحاكم بكامل طاقتيه الناعمة (خاصة الإعلامية) والعسكرية والمموهة بالحرب العالمية على الإرهاب (ويقصدون طبعا الإسلام)

غير أن هناك أمران،

أحدث أحدهما شرخا عميقا وكسرا لا ينجبر في العصبة الصليبية بكتلها الثلاث

وهي الأزمة الأوكرانية والتي تمثل كابوس أوروبا في عودة الحرب الطائفية إليها بين ديانات المسيحية المختلفة خاصة منها الكبرى ..

الحرب في أوكرانيا لازالت قائمة منذ 2012.. ومعاهدة مينسك لوقف إطلاق النار تنهار كل مرة..

مخلفة لحد الآن أكثر من سبعة آلاف قتيل

و١٣ قرية مدمرة عن آخرها

ومطارين دمرا تماما

وإعلان منطقتي دونباسك الاستقلال من جانب واحد بدعم روسي ومناطق شرقية أخرى مرشحة للانضمام ..

وأزمة مالية خانقة

وقابله تموضع متقدم لحلف الناتو..

هذا الوضع جعل الدول المجاورة تتخذ تدابير متقدمة للمواجهة المحتملة كالتعبئة الشاملة في السويد

وعودة التجنيد الإجباري في بولندا ورفع الميزانية العسكرية واستدعاء الاحتياط العسكري وتجنيد النساء..

وغيرها من مظاهر التعبئة العسكرية

ودفع دول البلقان لاستدعاء الاحتياط و الذاكرة السوداء لشبح الحرب الطائفية ايضا

ولم يقف الأمر عند دول البلطيق والبلقان فقط

بل تشعر به ألمانيا وفرنسا بشكل مباشر

فمقايضة فرنسا الكاثوليكية روسيا الأرثوذوكسية بأوكرانيا مقابل سوريا زاد الأمر تعقيدا خصوصا مع  دخول أمة الإسلام كعامل مفاجئ  بمعادلات  الثورات العربية وهزاتها.

وألمانيا التي ترزأ تحت الهيمنة الأمريكية بشروط محسنة تخشى سقوطها تحت الهيمنة الروسية لو تخلت عنها أمريكا وترى من الأزمة الأوكرانية كابوسا مرعبا ينسف كل أحلام الشعوب الجرمينية

روسيا  والغرب:

(كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون)

وصلت القناعات الروسية أن حماية مفاصلها الإستراتيجية ضد تمدد حلف الناتو لابد ان يكون ان يكون خارج الشرعية الدولية..

لأنها تعلم أن نفس هذه  الشرعية من تشرعن ذلك كأمر واقع لاحقا.. كما فعلت في استونيا وأبخازيا  والقرم ودونمباسك الأوكرانية

 والآن لها ممثلين وقناصلة…

 أعود للدور العسكري..

فروسيا تدرك أن فرنسا تريد أن تلعب نفس الدور التاريخي الصليبي على السواحل الشامية..

وهذا ما يفسر تواجد بارجتها النووية شارل ديغول  بين المتوسط وباب المندب..

وفهمت روسيا ذلك تماما  وانه يراد الاستغناء عن الدب الروسي وحصره في المناطق الباردة..

فلجأت روسيا إلى نفس القاعدة «أسبق، أكون الأقوى.. ثم أكون أمرًا واقعًا لا يتجاوز»

لهذا ترى اليوم الصحف الروسية تصف الدور الفرنسي بالماكر والقذر

في المقابل سترمي روسيا بكل ثقلها حتى تستنزف البقرة الخليجية لتحد من تمويل أساطيل الناتو.. وسيحاول الناتو إشعال نقاط التماس  أوكرانيا و جورجيا والبلقان إذا لزم ..

وبين ذلك ستكون سوانح للأمة…

مع الأسف لا توجد لحد الآن الآليات والأدوات لاستثمارها. وعلى القوى الحية المسلمة أن تجد ذلك عاجلا غير آجل.

وإلا ستفوت علينا فرصة كالتي فوتناها بعد الحرب العالمية الثانية.

أما الأمر الثاني الذي هز «المركز» ومعه أركان الكتلة الوثنية ولعله لا يقل  خطورة وهو الأكثر سرعة في التطور نحو الانفلات رغم محاولة واشنطن إزاحة الصراع معه زمنيا..

هي أزمة كوريا الشمالية والتي تبدو ككرة الحديد التي تهدم البيت الوثني وتجر البيت الصليبي إلى أتون ناره..

فالحديث في شأنها يبدأ من المناورات السياسية إلى التهديد بالحرب النووية.

ومع سياسة إفراغ خزائن الخليج التي اعتمدها ترامب وتفكك البيت الخليجي بعد حصار قطر.. جعل من المعادلة تفقد خط الرجعة.

وهذا أيضا أدخلت امة الإسلام مرة أخرى في هذه المعادلات الدولية وتعقيداتها بدون اختيارها.. وكأنها تعد لأمر ما

 وقد أصبح جليا أن الأزمتين الأوكرانية وكوريا الشمالية وخط سير الثورات العربية، سيغير من وجه العالم الذي نعرفه اليوم..

وسوف يمضي إلى البحث عن التوازن مرة أخرى لكن بعد توترات مزمنة  قد يعقبها حروب دامية..

إلا أن تلبّس امة الإسلام  بالمعادلتين سيجعلها أمام حتمية التلبس بالصراع عاجلا أم آجلا من جهة..

ومن جهة أخرى  فالراجح أن غالب أرض الإسلام وبحارها  ستكونان مسرحا هذا الصراع.

يتبع، بسؤال ما هو أثر تفكك الاتحاد الأوربي على الجزائر؟

من رضا بودراع

كاتب جزائري، وباحث في الشؤون الاستراتيجية