عادت إلى الواجهة من جديد قضية جواز ضرب الزوج لزوجته، وإباحة الإسلام لهذا الأمر، وهى قضية خاض فيها الكثيرون دون علم أو فهم، شوّهوا فيها الإسلام وظلموا أنفسهم، ولو ردّوا الأمر لأهله لعلمه الذين يستنبطونه منهم. وفى السطور التالية ملخص لما قاله العلماء في تلك القضية، ووضع للنقاط على الحروف فيها بإيجاز غير مخلّ.

 أولاً؛ الحديث عن الضرب في نطاق الزوجية، إنما هو حديث عن أسرة معتلّة، يسيطر عليها العناد والشقاق، أما الأسر السوية فإن قضية الضرب بالنسبة إليها غير واردة على الإطلاق؛ فالأصل في الأسرة المسلمة شيوع جو التفاهم وعدم التنازع، والعشرة بالمعروف، واحترام كرامة الطرف الثاني، والشراكة الحقة في أمور الحياة الزوجية، في ثقة متبادلة وتعاون تام في السراء والضراء، فالزوج يهيئ لزوجه وأولاده عيشًا كريمًا، والزوجة تعينه على ذلك، مع قيامها برعاية منزلها وأسرتها.

«وتحثُّ الشريعة الإسلامية كلا الزوجين على فهم طبيعة الآخر، والوعي بالفوارق الفطرية والطبيعية والنفسية لكل منهما، وبوجود قواسم وسمات مشتركة بينهما، كما تحثُّ الشريعة كلا الزوجين -لنجاح الحياة الزوجية- على الاهتمام بعوامل التوافق والإيجابيات في شخصية الطرف الآخر، وحصر أسباب الاختلاف، والبحث عن حلول وسط يتراضيان عليها، والبعد عن نزغات العناد والإثارة والإفراط في الغيرة وحب التغلب على الآخر». [ميثاق الأسرة في الإسلام].

أباح الإسلام ضرب الزوجة نعم، لكنه ضرب رمزي، وهو مما لا يقع في نطاق العنف الأسرى، أى أنه علاج حكيم يمر بعدة مراحل:

 أولاها: الوعظ والنصح، والتوجيه الهادف، وتذكيرها بما عليها من حقوق، وما افترضه الله عليها من وجوب طاعة زوجها، مترفقًا بها، مؤملاً صلاح حالها، فإذا لم تستجب انتقل إلى الخطوة التالية.

 ثانيتها: الهجر، فله أن يهجرها في الفراش؛ إظهارًا منه لعدم الرضا عنها والاستياء من معاملتها، فإذا لم يثمر الهجر في المضجع فقد شُرع للزوج أن يؤدب زوجته، ضربًا غير مبرح، يقول النبي : «ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت»، وهذا يعنى أن الضرب آخر الدواء، وليس المراد منه الانتقام، ولا يلجأ إليه الزوج إلا بعد نفاد صبره، والخوف من إهدار كرامته وسمعة بيته وأولاده، وهذا السر في قول النبي : «لا يُسئل الرجل فيم ضرب امرأته» [أبو داود].

 إننا هنا أمام ما يسمى (نشوز الزوجة)، أي استعلاؤها على زوجها، وسعيها إلى هدم أسرتها، فيكون الضرب هنا حفاظًا على كيان الأسرة، ورد الزوجة الشاردة التي غلبتها نفسها وشيطانها.

ولا يلجأ الزوج -كما ذكرنا- إلى الضرب، إلا بعد الوعظ، ثم الهجر، وهما وسيلتان كفيلتان برد المتمردة وإيقاظ ضميرها، وزجرها عن العصيان، فإن لم تنزجر فقد رسم التشريع طريقة أخرى لحل مشكلة الشقاق الأسرى الناشئة بين الزوج وزوجه، بالتحكيم فيما بينهما؛ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:35].

 وبناءً على ما سبق فإن الضرب المشروع لتأديب الزوجة:

• لا يجوز إلا للناشز التي لم يفلح معها الوعظ أو الهجر.

• لا يجوز إذا كان عديم الجدوى، وهذا ما قال به المالكية، فقد اشترطوا للضرب: أن يعلم الزوج أو يغلب على ظنه أن الضرب سيفيد في تأديبها وردعها عن النشوز، وإلا فلا داعي للجوء إليه طالما لن يثمر الإصلاح المنشود.

• أن يكون في غير الوجه، وأن يكون غير مبرح؛ أي يكون خفيفًا غرضه الإيلام الأدبي وليس الإيلام الجسدي، قال ابن عباس (رضي الله عنهما): «يضربها بالسواك»، وقال المالكية: يقتصر الضرب على الآليات التي تجعله رمزيًّا، حتى لكأنه لون من المداعبة التي تفتح القلوب وتطوى صفحة النشوز.

• لا يُسمح به للزوج إلا إذا كان التقصير من جهة الزوجة فقط، وأن يكون موفيًا لها جميع حقوقها.

• وأخيرًا.. فإن ترك الضرب أفضل، وإسقاطه هو الأولى، ويُقتصر التأديب على الوعظ والهجر دون اللجوء إلى الضرب، إبقاء للمودة بين الزوج وزوجه.

من عامر شماخ

كاتب صحفي مصري