محمد إلهامي، باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

كنت إذا قرأتُ في كتب التاريخ وصفا لمصر والقاهرة يكاد يطير قلبي، هذا وأنا في القاهرة.. فكيف إذا قرأته وأنا محروم منها؟!

ثم كيف إذا قرأته في عصر السيسي -عدو الله- الذي يصدق عليه قول الله تعالى {بدلوا نعمة الله كفرا، وأحلوا قومهم دار البوار}؟!

لا يشعر بنعمة الصحة إلا مريض، ولا بنعمة الحرية إلا أسير، ولا يشعر بمعنى التاريخ الزاهر إلا من شاء له حظه العاثر أن يعيش في زمن العملاء الخونة العساكر!

اقرأ هذه المعزوفة التي سطّرها رحالتنا الجغرافي المقدسي البشاري، في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم».. ولم أنقل منها إلا قطعة صغيرة:

«بلد شريف، كثير الصالحين والمتعبّدين… جليلة الرستاق، جيّدة الفواكه والأعناب، طيّبة نظيفة…

الفسطاط: هو مصر في كلّ قول، لأنه قد جمع الدواوين، وحوى أمير المؤمنين… تنضّر إقليمه، واشتهر اسمه، وجلّ قدره، فهو مِصْرُ مِصْرَ، وناسخ بغداد، ومفخر الإسلام، ومتجر الأنام، وأجلّ من مدينة السلام [بغداد]، خزانة المغرب ومطرح المشرق، وعامر الموسم.

ليس في الأمصار أهل منه، كثير الاجلّة والمشايخ، عجيب المتاجر والخصائص،

حسن الأسواق والمعايش، الى حمّاماته المنتهى، ولقياسيره لباقة وبها،

ليس في الإسلام أكبر مجالس من جامعه، ولا أحسن تجمّلا من اهله، ولا أكثر مراكب من ساحله

أهل من نيسابور، وأجلّ من البصرة، وأكبر من دمشق، به أطعمة لطيفه، وإدامات نظيفة،

وحلاوات رخيصة، كثير الموز والرطب، غزير البقول والحطب، خفيف الماء، صحيح الهوا، معدن العلماء، طيّب الشتاء.

أهل سلامة وعافية، ومعروف كثير وصدقة، نغمتهم بالقرآن حسنه، ورغبتهم في الخير بيّنة، وحسن عبادتهم في الآفاق معروفة» (انتهى)

من محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية