الجامع الأزهر

المؤسسات الهرمية السلطوية الرسمية الدينية التي على غرار الأزهر، لا يمكن إصلاحها، ولو استغرق ذلك أجيالا متعاقبة؛ لأن أصل فكرتها، وفي أوج نموذجها المثالي، تحتوي على إشكالات ذاتية، ونفس بنائها على الوضع الذي اتخذته في المائتي عام الأخيرة، كظل للدولة القومية الحديثة في مساحة الدين، مخالف للتصور الديني نفسه عن التدين، والاجتهاد.

فيجب لكل متصد للكلام عن حال الأزهر: أن يعي فرقا جوهريا بين الأزهر التاريخي، والأزهر الوطني الحديث، الأول: الذي لم يكن أكثر من كونه مدرسة دينية، لم تكن الأكبر في مصر إلا في آخر القرن العاشر، فكانت بجواره مدارس أكبر منه وأهم، وبعضها كان يجمَّع فيه، والأزهر مقصور على الصلوات الخمس فحسب، ومن ناحية الدرس الديني كغيره من المدارس الدينية،

هذا النموذج على ما فيه من إشكالات، ليس هو نموذج الأزهر المؤسسي الذي رافق الدولة القومية الحديثة، التي هدفت علمانيتها للسيطرة على الدين عن طريق دمجه في منظومة الدولة، وفق مؤسسات هرمية سلطوية.

فكل محاولات الإصلاح من الداخل، كمحاولات السلفيين لسلفنته، أو محاولات غيرهم من الاتجاهات لتحويل مسيره كالإخوان المسلمين، هي عبث، لأجل أن طبيعة المؤسسات السلطوية أنها تقدر بأدواتها السلطوية على نفي (الميكروبات) الغريبة عن جسمها، أو على الأقل: (تحييدهم) بعيدا عن مواقع التأثير الفعالة، مهما بدا أن له حجما كبيرا في المستويات السفلى، لكنه لا يقدر أن يكون كتلة حرجة تغير في الشكل الهرمي السلطوي.

وهذا هو السبب أن الغالب الأعم الأكثر من محاولات الإصلاح الداخلي للمؤسسات الفاسدة تفشل، سواء أكانت أحزابا سياسية، أو منظمات اجتماعية أو دينية.

طلبة العلم يذاكرون دروسهم في الجامع الأزهر

ونقول:

لا شك أن الأزهر مؤسسة تابعة للسلطة, يتم من خلالها توظيف الدين الرسمي لقيادة الشعوب المغفلة والتلبيس على الناس تحت ستار وعباءة الدين, ونحن لا نزعم أن محاولة إصلاح الأزهر ستتم من خلال المستويات السفلية المهمشة, ولكن من خلال أعلى السلطات داخل المؤسسة.

لذلك كان سعينا هو لإصدار قوانين تحقق الاستقلالية المادية للأزهر -والتي تعني استقلالية القرار- من خلال إعادة الأوقاف لإشرافه, وتنظم طريقة اختيار شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء……. إلخ

الأزهر حاليا لا يختلف عن المنظومة الإعلامية العلمانية = مات الملك, عاش الملك!

لا يصلح مع الأزهر سوى التغيير على طريقة الصدمة كالثورات.

ولعل هذه القضية تؤكد لطائفة الإسلاميين المدجنين, أن صراعنا على السلطة ليس إهدارا للوقت أو الجهد, وليس انصرافا عن الدعوة والتربية, فهناك برامج إصلاحية لا ينفع معها التدرج المطلق, فإصلاح الأزهر على يد صلاح الدين الأيوبي -رغم أن فيه بعض الإجراءات التدريجية كقطع الأوقاف عنه والتضييق على رموزه المتشيعة- لم يكن ليتم لولا وجود الرجل في قمة هرم السلطة, لذلك كانت تجربة الإمام محمد عبده -على فضلها وريادتها- قد حققت نجاحا جزئيا في المجال العلمي فقط, ولم تنجح في تغيير عقيدة الأزهر كمؤسسة تخدم الأنظمة القمعية المستبدة.

وأنا أرفض الفصل بين دور الأزهر كمؤسسة علمية شرعية, وبين دوره الوطني في دعم قضايا الشعب والأمة, فلا أريد للأزهر أن يكون مؤسسة دينية على غرار المؤسسة الدينية السعودية (معتزلا للصراع السياسي ومشرعنا للأنظمة المستبدة) فلسنا بحاجة لكنيسة إسلامية جديدة!

عمرو البحيري