كان مبدأ تداول السلطة السلمي أحد المكتسبات السياسية التي انتهى إليها أمر الغرب في تنظيم شؤون الحكم، بعد رحلة كفاح دامية بين الشعوب وحكامها، في مراحل مسيرتها نحو الحرية والتحرر.

كما يعد هذا المبدأ أبرز مظهر من مظاهر دولة المؤسسات المعاصرة، بحيث تنتقل السلطة لمن يستحقها بسلاسة،

ويمكن القول: إذا لم يتم التداول السلمي للسلطة في بلد ما فلا يصح أن توصف الدولة بالمؤسسية.

وكذلك كان تحديد عدد الولايات بدورة واحدة أو بدورتين لمن أراد أن يخوض التجربة مرة أخرى، مهما كانت كفاءته وقدراته،

كان ذلك أضمن وسيلة لتحقيق هدف التداول السلمي للسلطة، وتجنيب البلاد والعباد شرور شهوة السلطة،

ورغبة التسلط على العباد، وقطع الطريق أمام المستبدين، مهما ادعوا مصلحة الشعوب.

ويعتبر ما سبق أكبر المكتسبات العامة التي عادت بالنفع والمصلحة على الشعوب الغربية في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.

الإسلام لم يضع رسما محددا لأسلوب الحكم

وهذا الشأن الذي سلكه الغربيون، ورأوا فيه مصالحهم، هو ما يرتضيه فقهاؤنا المعاصرون،

وهو الذي يحقق مقاصد الشريعة في الفقه السياسي الإسلامي من تحقيق العدالة والمساواة والشورى ومساءلة الحكام ومحاصرة الظلم والاستبداد.

وكما يقول الشيخ الغزالي -رحمه الله-: إن الإسلام لم يضع رسما محددا لأسلوب الحكم وإنما وضع له أخلاقا ترعي، وقيما تصان.

كما أن معاني تجنب الفتنة والفوضي وسفك الدماء التي تحدث عنها الفقهاء في باب عزل الحاكم،

توجب علينا أن نتبنى مبدأ تداول السلطة السلمي، وتحديد مدة الولاية وعدد مراتها، أساسا دستوريا فى حياتنا الإسلامية المعاصرة لا محيد عنه، من أجل حقوق الإنسان.

تحديد مدة الولاية

ويرى هذا الرأى من الفقهاء المعاصرين الدكتور توفيق الشاوي والشيخ يوسف القرضاوي، والدكنور محمد سليم العوا،

ويعتبر أسبقهم جميعا إلى هذا الرأي في الفقه السياسي المعاصر الفقيه الدستورى الكبير عبد الرزاق السنهوري فى رسالته للدكتوراة

«فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية»

من جامعة ليون بفرنسا عام 1925، وترجمتها إلى العربية ابنته الأستاذة نادية عبد الرزاق.

والذي قال بوضوح: لا يوجد في مبادئ الفقه الإسلامي أي مانع من تحديد مدة الولاية.

وما نرتضيه في شأن الحكم من تحديد عدد الولايات ومدة كل ولاية

هو نفس ما نرتضيه فى شأن إدارة مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، والهيئات الشعبية، والجمعيات الدعوية والخيرية، وما يقال هناك يقال هنا.

وهناك بعض المؤسسات الشعبية والجمعيات الدعوية الإسلامية يجنح بعض من يتصدرون العمل بها نحو إطلاق عدد الولايات، وكأنهم أنبياء يأتيهم الوحي، وقد كتبت لهم العصمة.

وقد يتعلل بعضهم في إطلاقه هذا بأن الكلمة الأخيرة لأعضاء الجمعيات العمومية، إن شاءوا جاءوا بهم مرة ثالثة ورابعة، والأمر شورى في نهاية المطاف.

ونسى هؤلاء أنهم من الناقدين لهذا المسلك في الحكم في النظم الاستبدادية، فما الفرق إذن؟

إضافة إلى أن جانبا كبيرا في الثقة بهم من قبل الناخبين الذين لم يتعرفوا بهم عن قرب صنعته الصدارة والظهور المجتمعي والإعلامي،

وليس الكفاءة وحدها. ومن زاوية أخرى فإن هذا هو الطريق الصحيح لإبراز قيادات أخرى، وتوارث الخبرات وتكامل الأجيال،

واكتشاف قدرات وكفاءات حجبتها شهرة المتصدرين الذين لا يرغبون في إفساح المجال لغيرهم إلا عندما يقعدهم السن أو اعتلال الحالة الصحية.

وقد حدثنا التاريخ الإسلامي أن المعتزلة الذين تغنوا بالحرية والعقلانية تنظيرا، كانوا أشد الناس معاداة لها تطبيقا،

عندما كانوا في موضع التأثير في صناعة القرار، وما موقفهم من الإمام أحمد، وممن عارضوهم فيما عرف بمحنة خلق القرآن ببعيد.