محمد إلهامي، باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

تعال أخبرك بكتب في الرقائق لن يخبرك عنها سوى أهل التاريخ!

إنها كتب قادرة على شحنك إيمانيا، حتى لو كان الذي كتبها كافر!

لك الحق أن تعجب.. ولكن: جرب

إنها -أخي الحبيب- الكتب التي تحدثك عن معاناة المسلمين في ديار لا يستطيعون فيها أن يمارسوا دينهم.. تلك الكتب ترى فيها عجائب من إصرار المسلمين على حفظ الدين وممارسته وتعليمه لأبنائهم وتوريثه لأجيالهم!

نماذج من الصلابة والبطولة والبسالة وعلو الهمة تجعلك تحتقر نفسك إلى الغاية، وتستفز إيمانك استفزازا لتكون رجلا فتحافظ على دينك في وقت الرخاء!

أبرز ما يخطر على بالي الآن كتابان في تاريخ الأندلسيين المسلمين بعد سقوط الأندلس (الموريسكيين)، وكلاهما لم يكتبه مسلم:

«محاكم التفتيش والموريسكيون»

الأول كتاب الباحثة الإسبانية مارثيدس جارثيا أرينال، «محاكم التفتيش والموريسكيون»، استخرجت فيه طريقة المسلمين في الحفاظ على دينهم من سجلات محاكم التفتيش الإسبانية التي كانت تطارد المسلمين.

«حياة الموريسكيين الدينية»

والثاني كتاب المؤرخ الإسباني الكبير بيدرو لونجاس، «حياة الموريسكيين الدينية»، وهذا استخرج معلوماته من المخطوطات المكتشفة من تراث الموريسكيين أنفسهم، تلك الكتب والأوراق التي كانوا يحتفظون بها ليقرؤوا القرآن ويحفظوا تعاليم الصلاة ونحو ذلك.

وعلى حد علمي، فهذان المرجعان هما الأساسيان في تتبع حياة المسلمين الدينية في ظل أجواء محاكم التفتيش الرهيبة.. مع انتشار فصول أخرى في دراسات كثيرة أخرى تؤرخ للموريسكيين!

ستتعجب كثيرا وطويلا من تفانيهم في أداء الصلاة والزكاة وصوم رمضان وتجنب الخمر ولحم الخنزير.. وسترى محافظتهم حتى على أمور مثل المسحراتي وزكاة الفطر والاعتكاف وختان المولود والتأذين في أذنه وحلق شعره.. بل منهم من كان يصوم صيام داود (يصوم يوما ويفطر يوما) في بيئة لو اكتشف أحد فيها أنك صائم، فمصيرك الحرق بعد عذاب شديد!!

وأسمع من إخواننا المسلمين في تركيا هنا، ومن الأتراك في جمهوريات آسيا الوسطى، ومن الشيشان والتركستان والقوقازيين ممن نلقاهم هنا في تركيا عجائب وغرائب في تمسك آبائهم وأجدادهم بالدين منذ زمن الاتحاد السوفيتي وحتى الآن في بعض البلاد.. حكايات أسطورية مذهلة سيكون من الخسارة الفادحة ألا تؤرخ وأن تندثر مع الصفحات المندثرة الضائعة!!

ولا أشك أن كثيرا من أخبار المسلمين في البلقان أيضا على هذه الصورة، منذ انحسار ظل الخلافة العثمانية عن ديارهم، وحتى حرب التطهير العظمى التي طردتهم من بلادهم منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى العرب العالمية الأولى، ثم العهد السوفيني والشيوعي الرهيب إلى ما قبل سبعينيات القرن العشرين!

أتمنى أن تكون هذه الأخبار مكتوبة بلغات هذه المناطق كلها، فهي إن كتبت فسيأتي يوم تترجم فيه إلى بقية اللغات، ثم تتحول فيه هذه الأخبار إلى مسموعات ومرئيات ومسلسلات وروايات.. الحسرة هي ألا تسجل تلك الأخبار في أي وثائق!

هذه، يا أخي، كتب رقائق من نوع آخر.. إنها الدين حين يتمثل بشرا، ويتجسد في الواقع.. حين ينزل من النصائح والمواعظ ليكون واقعا وقدوة ومثلا مشهودا!

اقرأ وأخبرني.. ثم رشح لنا المزيد من هذه الكتب!

من محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية