رحل الدكتور (صلاح فضل) عن دنيانا وقضى نحبه، وإذا ما رحل الرجل تساءل الجميع: ماذا بقي منه؟

فماذا بقي من صلاح فضل؟

هل بقي العلم؟

هلْ بقيت الشهرة؟

هل بقي الفضل الذي يشير إليه اسمه؟

أبدا لم يبق شيء من كل هذا أبدا، وإنما بقي اغتصابه القميء لرئاسة مجمع اللغة العربية من سيدنا الدكتور الأزهري النابه (حسن الشافعي) الذي نال 17 صوتا مقابل 7 فقط لصلاح فضل.

وبموت الراحل صِرت أتساءل:

كيف لرجل مثقف وعالم ونزيه ومحترم وشريف أن يقبل بالتجني على حقوق الآخرين؟ كيف سمحت له مروءته وأخلاقه أن ينال رتبة ليست له ويغتصب حقا ليه من نصيبه؟

ولكني حتى أنقذ نفسي من حيرة هذا التساؤل، كان لابد من الرجوع لتاريخ الرجل الذي تربى في مهد الشيوعية وأحضان الاتحاد الاشتراكي وتنظيمه الطليعي، وأولئك الشيوعيون الذين لا يحترمون القيم والعدالة والمبادئ، ولا يعلون أي قيمة للشرف والمروءة، ومن ثم لم يكن غريبًا عليّ أن أحلل موقف الرجل الذي ظل ثلمة وهنة عظيمة في تاريخه، جردت رحلته من رتب الشرف والمعالي.

نشأ صلاح في الأزهر وتربى على مناهجه الدينية،

وبعد الثانوية الأزهرية، التحق بكلية دار العلوم، وتفوق فيها ولكن الكلية وقتها رفضت تعيينه معيدا بها،

وضمه علي صبري لمنظمة الشباب والتنظيم الطليعي بالاتحاد الاشتراكي،

وعينه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ليكون مشرفًا على المنظمة بالكلية،

وسافر صلاح فضل لنيل الدكتوراه من إسبانيا على حساب الأزهر وحصل على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة مدريد المركزية عام 1972 في الأديب الشيوعي كفكا.

كل من يترجم لصلاح فضل لا يذكر أزهريته وفضل الأزهر عليه في مسيرته العلمية،

وكأنهم يوارون هذا الأثر الديني في مسيرة صنم من أصنام العلمانية واليسار..

لكن المعروف أن الأزهر هو صاحب الفضل عليه،

وهو من ساعده وأنفق عليه حتى ينال رتبته العلمية، ثم بعد ذلك ينقلب على مناهجه وغايته ودعوته.

رحل صلاح فضل بعد الدكتوراه إلى جامعة الأزهر،

وبدأ يبث أفكاره الشيوعية بين الطلاب، حتى اصطدم بعلمائه الذين ابدوا انزعاجا من تصرفاته وأفكاره، وأحيل بعدها إلى كلية البنات التي أنشئت ليدرس بها،

وكان قد ترجم كتاب البنائية الذي لم يفهمه أحد حتى هذه اللحظة، فقد حدثني عدد من الأكاديميين الكبار في اللغة والنقد والأدب: أنهم لم يفهموا هذا الكتاب،

بل حدثني أحد الأعلام الكبار: أن صلاح فضل طلب منه رأيه في كتابه فلما قرأه قال له:

يبدو أنني محتاج إلى بنائي مرة أخرى فأنا لم أفهم منه أي شيء،

فرد صلاح بأن الكتاب مترجم والترجمة قد تأتي ببعض الصعوبة،

ولكن العالم الأزهري الكبير، رد عليه بأننا نقرأ كثيرا من كتب المترجمات ونفهمها.

وبعد أن ظل يجول ويصول في كلية البنات بأفكاره اليسارية، انتقل إلى كلية الآداب جامعة عين شمس ليكمل مساره.

يكره التراث العربي بشدة وعنف

كان صلاح فضل رغم ثقافته الكبيرة، يكره التراث العربي بشدة وعنف، لأنه من دعاة التغريب،

وكان من سماته أنه لا يضحك أبدا، وإن اضطرته الظروف للضحك فابتسام خفيف من نصف وجهه السفلي ليظل جبينه مقطب شأنه شأن كثير من الشيوعيين،

وكان في دراسته للطلاب دائم العبث بالقيم، والضرب في الثوابت الإسلامية، كما شهد بذلك كثير من الطلاب الذين درسوا تحت يديه.

ويرحل اليوم عن عالمنا، وقد ترك كثيرا من الزهو والشهرة والاسم المرموق، إلا أنه ترك في تراثه وآثاره، لقبًا معيبًا يلاحقه كلما جاء ذكره أو رويت قصته، وهو العالم المغتصب.