كثيرا ما يطل عليك الشيخ الشعراوي معلما، ولكنك لا تدركه مربيا، ولعل الحياة الخاصة للعظماء أمثاله مما يمكن لنا حين نعلم شيئا من تفاصيلها أن نتعلم منها كذلك الكثير والكثير.

ومن أهم معالم هذه الحياة الخاصة في أسلوبه في تربية الأبناء وتعليمهم، وهي أمر يهم كل والد له أبناء يريد أن يسلك معهم أسلوبًا سويًا في التربية والتوجيه، وها هو الشيخ رحمه الله تعالى في إطلالة سريعة نتعرف عليه داخل البيت مربيا للأبناء ومعلما للأجيال.

 يرى الشيخ الشعراوي رحمه الله أن الطفل يجب أن يربى جيدًا، وأن هناك فرق بين أن تعلم الطفل، وأن تربي فيه مقومات الحياة، فالطفل إذا ما تحركت ملكاته وتهيأت للاستقبال والوعي بما حوله، فيجب أن نراعي كل ملكاته بسلوكنا المؤدب معه وأمامه، فنصون أذنه عن كل لفظ قبيح ونصون عينه عن كل مشهد قبيح.

كان الشيخ يحب النظام ويكره أن ينقل أي طفل من أحفاده شيئًا من مكانه وينفعل عليه، مما قد يحزن والديه، ولأن عدم النظام والإخلال به يقلقه ويضايقه، فإنه قد يلجأ للحوار مع الأطفال كان فيشرح لهم الغرض من هذا الشيء، ولماذا هو في هذا المكان، وهكذا في كل الأمور، كان يؤمن أنه يجب أن يتضح في ذهن الطفل ماذا نريد منه وما الغرض للأشياء التي حوله.

كان الشيخ رحمه الله يؤمن كذلك أن أهم شيء في التربية هي القدوة، والتي إن وجدت سيأخذها الطفل تقليدا، وأن أي حركة من سلوك سيء يمكن أن تهدم الكثير مما نبنيه.

فإذا حدثنا الطفل عن الشجاعة والصدق والأدب، ثم دق جرس الباب وقلنا له: اذهب وافتح الباب، فإذا كان فلان هو الطارق فقل له : إن والدي غير موجود فإننا نهدم بهذا كل ما بنيناه وكل ما قلناه له عن الصدق والشجاعة والأدب، وتتكون في ذهنه قضية وهي أن هناك كلاما يقال وكلاما لا يعمل به، وإن أخطر الأمور أن يتعلم الطفل الكذب.

كان يؤمن أننا إذا أردنا أن نربي أولادنا تربية إسلامية، فإن علينا أن نطبق تعاليم الإسلام في أداء الواجبات وإتقان العمل، وأن نذهب للصلاة في مواقيتها، وحين نبدأ الأكل نبدأ باسم الله، وحين ننتهي منه نقول الحمد لله .. فإذا رآنا الطفل ونحن نفعل ذلك، فسوف يفعله هو الآخر، حتى وان لم نتحدث إليه في هذه الأمور.. فالفعل أهم من الكلام ويذكر رحمه الله أن: أم الأولاد الله يرحمها كانت تحكى لي عن كل شيء يجرى يوميا.. كانت تحكى لي عند عودتي وهى تخلع لي هدومي.. وكنت إذا غضبت من تصرف أحد الأولاد.. كنت أقول لها: «هاتي الغدا بره.. أو ضعيه في الغرفة الأخرى لأننى لا أريد أن أكل مع الأولاد.. فيأتي الأولاد ويسألون: لماذا لا تأكل معنا؟ فكنت أقول: لا أكل معكم وفيكم ولد بيعمل كذا وكذا إنني أريد أن آكل وحدى علشان ربنا ميعاقبنيش بسببكم! فيأتون ويأخذون في تقبيل يدى ورجلي.. وأخيرًا أقبل اعتذارهم، وأجلس آكل معهم..

لقد كان يعلمهم معنى الخوف من الله سبحانه وهو مناط كل أدب وتربية، حينما تخلق في نفس الصغير معنى الخوف من الله، فذلك إقامة عظيمة للدين وإحياء للضمير.

ويذكر الشيخ موقفا آخر فيقول: كان يأتينى ناس من «المجاذيب».. وكان عندي ولد من أولادي نفسه وحشة شوية، كان يقرف منهم.. وفى مرة وقف على الباب ومنع واحداً منهم من الدخول، وعرفت بذلك فغضبت.. عرفت ذلك من أمه.

و بعد يومين ربنا رزقنا بواحد منهم.. واحد من “المحاذيب” فقلت له: أهلا وسهلا.. ورحبت بـه.. وناديت على «أم سامي» التي هي زوجتي وقلت لها جهزي غيارين من بتوعي في الحمام.. وأدخلته الحمام… وعندما شاهدني الولد اللي كانت نفسه وحشة وبيقرف منهم وأنا أفعل ذلك مع الرجل المجذوب.. انتظره حتى خرج من الحمام وأخذ يقبل يده.. ومن يومها وهو لا يرى «مجذوبا» إلا قبل يده.

إنه يعلم أولاده معاني الرحمة والإحسان والبر بالمساكين، وأن هذا لا يكفي أن تنصاع له النفس وتؤمن به، ولكن لابد لحركاته وجوارحه أن تعلن ذلك في تقبيل الطفل يد المجذوب، فلله ما أبره وأرحمه وأكرمه.