وإبراهيم الداعية هو الذي يخطط للهجرة من أرض الشرك طمعًا فى هداية الخلق، وهو الذي يورِّث الدعوة لبنيه أملًا في ألا ينقطع ميراث النبوة؛

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

[البقرة: 127]،

(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

[البقرة: 132]..

وهو الحريص على استقامة أهله وذويه؛ (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)

 [إبراهيم: 40]،

فكان ابنه (إسماعيل) كما أراد؛ (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)

[مريم: 55].

وإذا ذُكر البلاء ذُكر إبراهيم (عليه السلام)؛ فقد ابتُلى بترك ولده طفلًا رضيعًا بواد غير ذي زرع بعد أن رُزِق به على كبر، فنفّذ ما أمر الله به، ثم ابتُلى بذبحه لمّا صار شابًّا فتيًّا يمكن أن يستند إليه في كبره، فسمع وأطاع؛ (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)

[الصافات: 103]،

وقذفه الكافرون في النار فرضي بقضاء الله ولم يزد على قول: (حسبي الله ونعم الوكيل).

 لقد اجتاز (عليه السلام) جميع الاختبارات فاستحق الخلّة واستحق الإمامة؛ (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)

 [البقرة: 124]،

وكانت دعوته هى المقبولة عند الله وغيرها باطل وسفه؛ (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)

[البقرة: 130].

وإذا ذُكر إبراهيم (عليه السلام) ذُكر الحج، فهو بطله، هو الذي بنى بيت الله الحرام وأذَّن في الناس؛

فكلما حجَّ حاجٌّ أو اعتمر معتمِرٌ زيد في ثواب إبراهيم، بل له ثوابٌ آخر لا ينقطع بإذن الله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى…)

[البقرة: 125]؛

فمقامه داخلٌ في الشعيرة مذكرٌ بفضل إبراهيم واصطفاء الله له؛ (وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)

 [البقرة: 130].

وإبراهيم (عليه السلام) هو من فتح للأمة باب المناظرة، ومجادلة الكافرين وإقناعهم بالدليل والحجة، وهذا لا يكون إلا لذي قلب مطمئن مُلئ باليقين؛

(وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ…)

 [الأنعام: 81]،

فهو يعيب آلهتهم، ويسفِّه عقولهم ولا يستطيعون الرد؛

(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

[العنكبوت: 17]؛

إذ منطقه جاهز ودليله قوى؛ (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)

[الشعراء: 72، 73].

وكما فضّل الله إبراهيم (عليه السلام) واصطفاه فقد أعطاه منحًا أخرى جليلة؛ آتاه الرشد والحكمة؛ (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ)

[الأنبياء: 51]،

وأعطاه اليقين؛ (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)

[الأنعام: 75]،

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي…… وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: 260]..

(سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الصافات: 109]،

الذى فاصل قومه فى حبه لله، وبرئ مما يعبدون من دون مولاه؛

 (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)

[الزخرف: 26، 27]،

(قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)

[الشعراء: 75- 77]،

وقال: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات: 99].

 اللهمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارك اللهمّ لنا فيما أعطيت. 

من عامر شماخ

كاتب صحفي مصري