حتى كتابة هذه السطور وقع أكثر من ستين قتيلاً ومئات الجرحى من المدنيين السودانيين؛ جرّاء الحرب الدائرة بين المدعو: (الفريق أول عبد الفتاح البرهان)، رئيس المجلس السيادي السوداني،

وهو ما يعادل رئاسة الجمهورية، يسانده الجيش النظامي -والمدعو: (الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»)، قائد ميليشا قوات الدعم السريع.

وليت الأمر اقتصر على هؤلاء القتلى والجرحى، بل نستطيع أن نقول إن هذا البلد العزيز قد دخل متاهة لا يعلم إلا الله متى النجاة منها،

 وهى متاهة مصطنعة بالتأكيد لخلق فوضى لصالح أطراف خارجية، وما هذان المتصارعان سوى سماسرة حرب ومرتزقة لصالح هذه الأطراف،

ولو أقسم أحدهما بأغلظ الأيمان أنه يعمل لصالح البلد، ولو دغدغ مشاعر الشعب بدعوى الحفاظ على الديمقراطية مثلما ادّعى «حميدتي»،

 أو بدعوى الحفاظ على جيش البلاد من التفكيك كما ادّعى «البرهان».

المؤامرة على السودان بدأت بهذين العنصرين، ولاح على البلاد شبح الحرب الأهلية منذ أن تحالفا معًا في يونيو 2019 وقتلت قواتهما مائة سوداني بالرصاص الحي،

فيما عُرف بـ«مجزرة الخرطوم» حيث أُلقيت أربعون جثة منها في النيل، وجرحوا المئات، ووقع اغتصاب وتعذيب،

ومعارك اليوم التي سيدفع الشعب ثمنها كاملاً إن هي إلا خلاف بين رئيسي عصابتين لاقتسام السرقات والانفراد بزعامة البلاد.

لا نشكُّ فى حسم الأمور لصالح البرهان، أي لصالح الجيش النظامي، فهل انتهت الأمور عند هذا الحد؟ بالعكس فقد ازدادت تعقيدًا،

فالسودانيون كانوا ينتظرون الانتقال إلى الحكم المدني،

فجاءت الأحداث الأخيرة لتمنع ذلك وليحتكر العسكر السلطة أطول فترة ممكنة،

والأسوأ أن ما يزيد على مائة ألف من مرتزقة «حميدتي» صاروا بلا عمل، مع العلم أنهم يحملون أسلحة كما قيل توازى أسلحة جيش نظامي،

وقد اعتادوا قبض ثمن بلطجتهم منذ عشر سنوات مناصب وأموالاً وجاهًا، فهل سينسحبون راضين بما جرى؟ لن يحدث، والأيام ستؤكد ما نقول.

أمور عجيبة وخطايا بالجملة شهدها هذا البلد من قبل قادت إلى هذا الواقع المأساوي والذي لا يبشِّر بخير، جُلُّ تلك الخطايا بسبب الصراع على السلطة،

وتغييب الشعب كأن إدارة البلاد لا تعنيه في شيء، فالبشير يستعين بـ«حميدتي»،

تاجر الإبل وحارس القوافل غير المتعلم، لحسم الثورة في دارفور؛ لما يملك من نفوذ قبلي ورجال وسلاح، فيرتكب لذلك جرائم ضد الإنسانية،

وبدلاً من محاكمته

يزداد نفوذه لدى السلطة حتى يصبح شريكًا في الحكم بعد ذهاب البشير، وتخيل هذا المرتزق

الذي لم يتخرج في معهد عسكري قط يحصل على رتبة الفريق الأول بصورة رسمية، ويصير رأسًا من رأسين في النظام السوداني!!

نؤكد مرة أخرى أن هناك مؤامرة على هذا البلد لصالح أطراف خارجية،

أما مصالح الشعب السوداني فليست على أجندة أمراء الحرب بالمرة،

ولو كان للشعب حساب عندهم ما وقع انقلاب 2021 الذي لخبط الحسابات وأحال إدارة البلاد إلى هذين الشرّيرين،

وكلاهما له علاقاته المريبة واتفاقاته الخفية مع الخارج،

 فمن الذي أرسل الجنود السودانيين إلى اليمن وقد قتل منهم ما يزيد على (400) عنصر؟

ومن الذي أرسلهم إلى ليبيا في معركة طرابلس وغيرها وقد قتل منهم المئات كذلك بالمسيّرات التركية؟

ومنْ اتفق مع الاتحاد الأوربي لحراسة الحدود مع الدول المجاورة لمنع تسلل المهاجرين عبر المتوسط؟

ومن الذي يتولى تجارة الذهب والتنقيب عنه وإخراجه من البلاد بكميات هائلة دون حسيب أو رقيب؟ ومنْ؟ ومن؟

إن من بين الخلافات بين العصابتين هو ذلك التشابك والتعقيد في العلاقات الخارجية ومقدار الاستفادة منها، وهى بالتأكيد ضد مصالح الأمن القومي للبلاد،

ولم يعد خافيًا أن اللاعبين في السودان الآن هم أمريكا والصهاينة وروسيا والاتحاد الأوربي وإثيوبيا والإمارات والسعودية ودول أخرى إفريقية وأوربية،

وكلٌّ يعمل لمصلحته في بلد غابت الوطنية عند مسئوليه وصار جيشه النظامي يقوم بكل المهام

التي تخدم قادته دون القيام بمهمته الأساس في حماية البلاد والعمل على استقرارها.     

إن بقاء السودان في حالة من التمزق والفوضى،

هي الأنسب لمصالح الخارج؛ ولذا من المتوقع ألا تحسم الهيئات الأممية هذا الصراع لصالح طرف من الطرفين،

بل سيكون الحديث مائعًا كالمعتاد حتى تظل الحرب مشتعلة؛ فتتمكن إثيوبيا من ملء سدّها دون ممانعة،

ولا تتمكن روسيا من بناء قاعدة لها على البحر الأحمر كرغبة أمريكية؛ وليلعب الصهاينة في الساحة السودانية كما يشاءون إلخ..

وليس في مقدور أحد أن يمنع هذا العبث سوى الشعب السوداني نفسه؛ فإن خروجه إلى الشوارع بأعداد كبيرة سوف يحسم هذا الصراع،

وهؤلاء المرتزقة أخوف ما يخافون من الشعب إذا التحم وتوّحد، أما غير ذلك فتوقعوا أن يذهب السودان مذهبًا آخر.

نسأل الله السلامة.

من عامر شماخ

كاتب صحفي مصري