عندما جاءني استدعاء كجندي احتياط أواخر عام 1966، كنت غارقا لأذناي في الإعداد لرسالة الدكتوراه، التي لم تعتمد فقط على قراءة الكتب،

 بل والتجول عبر دار المحفوظات، ومجالس البرلمان، ووزارة التربية، ووثائق متحف التعليم.. وهكذا، مما يفرض انشغالا مستمرا، خارج البيت والكلية..

  ومن هنا، فقد سعيت إلى تأجيل الاستدعاء مؤقتا..

وكان لابد من طرق أبواب متعددة، حتى إذا خاب واحد، نفع غيره..

فى كل اتجاه سلكته، عن طريق عدد ممن استطعت التوصل إليهم من الضباط العسكريين، كانت كلمة السر أنه (دفعة شمس بدران).. حتى خُيل لي أنه «أسطورة».

وكان شمس بدران من خريجي الكلية الحربية عام 1948، لكن الظروف لم تتح له الترقي علميا وتدريبيا عن مرتبة (رائد)، مثل قائده الأعلى، والذي أصبح (مشيرا؟!): عبد الحكيم عامر!!.

وقد انعكس هذا المستوى المتواضع على اختيارات لبعض القيادات: فلا يختار الفريق مدكور أبو العز، قائدا لسلاح الطيران، كما نصح عبد الناصر، ويختار صدقي محمود، والذي كشفت محاكمات الطيران عما هو مؤلم وطنيا وعسكريا.

شمس بدران مديرا لمكتب القائد العام للقوات المسلحة

وبعد سنوات قليلة، أصبح شمس بدران مديرا لمكتب القائد العام للقوات المسلحة،

وأصبح من أقرب المقربين إليه، وقد أدى هذا القرب إلى تمتعه بسلطات واسعة لا تقل كثيرا عن سلطات  المشير نفسه،

لا في القوات المسلحة فقط، بل في سائر الوزارات، والقطاع العام،

وأصبح بمرور الوقت أحد العمد التي ترتكز عليها القرارات المهمة المتعلقة بكبار الشخصيات وتعيينهم، في وظائف الدولة الكبرى:

مدنية أو عسكرية، كما كتب الفريق صلاح الحديدي في كتابه (شاهد على حرب 67..)

بل ووصل الأمر بالبعض إلى أن يحرص على تقبيل يده، وما سار على هذا النحو من التذلل والانكسار..

ثم يصل الأمر إلى تعيينه وزيرا للحربية، ويذهب إلى موسكو، عندما تلبدت الغيوم فى ربيع 1967،

وعندما يعود إلى مصر، يصدر تصريحا (مخدرا)، زعم فيه أن (السوفيت) -إذا نشبت الحرب- سيكونون معنا؟!!

الغريب حقا أن الوقائع المحزنة التي أعقبت الهزيمة، تكشف -كما زعم عبد الحكيم عامر- أن اتفاقا تم بينه وبين عبد الناصر، أن يستقيلا من منصبيهما، ويتركا الأمر لـ شمس بدران؟!!

ومن المحزن حقا، أن الرجل، بعد المحاكمات التي أعقبت الهزيمة، خرج من مصر إلى انجلترا،

كما تخرج الشعرة من العجين، ويعيش هناك سنوات، ليبرز التساؤل:

من أين كان ينفق طوال سنوات إقامته في لندن؟!!

د. سعيد إسماعيل علي

من د. سعيد إسماعيل علي

خبير وكاتب مصري في المجال النفسي والتربوي،