منذ سنوات غير قليلة، وقبل أن تداهمني محنة المرض، كنت أتجول في بعض الحواري الفرعية، وراء ميدان العباسية، بهدف شراء ما يلزمني من حاجيات معيشية، حيث كنت «أبيت» أحيانا فى الصالون.

  في أحد محلات البقالة، كان البائع يلبس جلبابا، وحافي القدمين، دون أن أعنى بهذا الزراية به..

  قلت له: أريد علبة (البقرة الضاحكة)، فأجاب على الفور: مفيش..

  أشرت إلى مجموعة منها رأيتها على الرف، منبها إياه..هذه هي..

   رد الرجل: دي (لا فاش كيري)؟!!

  فأجبته ضاحكا: لا مؤاخذة أصل أنا معرفش فرنساوي؟!

  وفى يوم آخر، مررت على  محل فول وطعمية، طالبا سندوتشين: فول وطعمية..

  أجاب الرجل متسائلا: تيك أواى؟

  تصورته يشير إلى نوع آخر من السندوتشات، فكررت: فول وطعمية.. وتكرر هذا مرة ثالثة، فأدرك أحد الزبائن اللبس الحاصل لي، فقال: البائع يقصد هل ستأكلهما هنا في المحل، أم تأخذهما معك؟

  لقد  تخلصنا من الاستعمار الذي كان متمثلا في جنود وضباط وأسلحة، ثم تصورنا أننا تحررنا عندما ذهب الجنود والضباط بأسلحتهم، لكننا وقعنا في براثن احتلال آخر، أشد خطرا، وأبعد تأثيرا.. استعمار العقول، والتغيير الجذري لمنظومة القيم المتشبعة بالثقافة العربية..

 تُرى: هل يدرك ولاة الأمر خطورة هذه القضية؟

د. سعيد إسماعيل علي

من د. سعيد إسماعيل علي

خبير وكاتب مصري في المجال النفسي والتربوي،