د. يوسف رزقة

يقال إن سياسة بايدن بعدم الانخراط المباشر في الحرب الأوكرانية، وتجنب إرسال قوات أميركية للخارج، تحظى بتأييد غالب الأميركيين. بينما يذهب من يعارضون الخروج الأميركي من أفغانستان، واحتمالات خروجها من الشرق الأوسط إلى اتهام بايدن بالضعف، وبإذلال أميركا؟!

هذان الموقفان المتصادمان يعبران عن سياسة قديمة نفذها جورج بوش الابن ومن قبله، وعن سياسة جديدة بعد تجارب أفغانستان والعراق وسوريا، نفذها أوباما، ويسير على خطاها بايدن، رغم التهديدات المنبعثة من سيطرة الروس على أوكرانيا بعد سيطرتهم على القرم.

في دول الغرب،

يبحث الأوربيون عن الأمن، ويشعرون أن الأمن المرتبط بالناتو وأميركا يعتريه تغيير يتجه نحو تحقيق رغبة أميركية بالخروج الناتو، ومن تلكلفة الأعباء، وهنا يتكرر الحديث الأوربي عن استرتيجية اعتماد دول الاتحاد الأوربي على نفسها، بينما يتهددها خطر قادم من روسيا، وخطر محتمل من خروج أميركا من أوربا، ويبدو أن هذا التفكير قد ضرب بشكل قوي بلاد أوربية التزمت الحياد منذ الحرب العالمية الثانية، ومنها السويد وفلندة، وكلتاهما بدأت تفكر في الانضمام إلى الناتو، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

الأمن القومي في أوربا

هو على مائدة دول أوربا، وحتما سيشهد تغيرات مهمة، لا سيما حين تضع الحرب أوزارها في أوكرانيا، ولكن مشكلة الأمن القومي في الشرق الأوسط أكثر تعقيدا، حيث إن التفكير بخروج أميركا من مظلة الأمن في الشرق الأوسط، ولا سيما الخليج العربي، سيجعل أكثر قلقا وهي تبحث عن البديل. ولكن دول المنطقة ذات رؤى متباينة بشكل حاد أحيانا، وهي بالتأكيد ليست متقاربة كدول أوربا،

فإيران على خصومة مع السعودية، والإمارات، الكيان الصهيوني. واليمن ولبنان مشلكة للأطراف المذكورة،

وامتحان صعب لمن يبحث عن أمن قومي بديل عن أميركا. ولتركيا رؤية حول الأمن الإقليمي،

وهي ترى في نفسها قادرة على قيادة بديل عن الخروج الأميركي، لذا حرصت على إصلاح علاقتها مع الإمارات، ومع المملكة، ومع الكيان الصهيوني،

وتحاول مقاربة حلول وسط للمشاكل في اليمن ولبنان وفلسطين.

وإذا تركنا إيران وتركيا،

نجد أن الإمارات والبحرين والسعودية تبحث عن شراكة أمنية مع (إسرائيل) من خلال ما يعرف باتفاقيات أبراهام،

ومن خلال تعميق التجارة مع الصين والبيع بالإيوان الصيني،

ومن خلال الامتناع عن شجب الغزو الروسي لأوكرانيا كما ترغب أميركا، والتثاقل في تلبية طلب أميركا بزيادة انتاج النفط لتخفيض الأسعار،

حتى لا يغضب ذلك روسيا من ناحية، وللتعبير عن عدم رضا عن السياسة الأميركية في عهد بايدن.

خلاصة القول فيما تقدم أن منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج العربي،

تبحث عن استراتيجية أمن شامل، يكون بديلا مناسبا لمصالحها عن الخروج الأميركي المحتمل،

وكذا تفعل أوربا وهي أسبق في البحث في هذه القضية،

وربما تمتلك بديلا لا تمتلكه دول الشرق الأوسط بشكل جماعي قائم على المصالح وعلى التفاهم.

ولعل أهم ما في ذلك أن نذكر أن الكيان الصهيوني لا تصلح أن تكون جزء من استراتيجية أمن قومي شرق أوسطي، فهي تنتمي في فكرها للأوربا الاستعمارية، ولقيم أوربا أيضا؟!

د. يوسف رزقة

من د. يوسف رزقة

كاتب ومحلل سياسي، فلسطيني أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية بغزة ووزير الإعلام السابق