يقول تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}.

هذه آية جليلة كأنما تتنزل الآن.

الآية تحض على الاجتماع الإنساني، وصناعة الأسواق، وتثمن التجارة بوصفها طريقا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقر مبدأ أصيلا في تيسير التبادل بين المنافع عندما تتوقف لتحكي لنا هذا المشهد الذي يذهب فيه أحد الفتية لشراء الطعام من المدينة بما معه من عملات فضية.

والآية تفرض ضرورة العناية بصناعة الغذاء وتفرض على الدول والحكومات تزكية الأطعمة وتفرض على الإنسان أكل الزاكي الطيب من الطعام وتعد ذلك من الشروط المنضوية تحت مفهوم الإيمان، فالفتية مؤمنون، وهم ساعة يرسلون أحدهم لاستجلاب الطعام يأمرونه باستجلاب ما هو أزكى على جهة التفضيل.

الآية تعالن بأن الغش في صناعة الأغذية وتأخير رتبته من الطيب والجودة خيانة لمفهوم الإيمان، من باب الإضرار بالبدن والعقل الإنساني.

فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة

إن النظام الذي لا يزكي الطعام الذي يوفره الجماهير نظام يخالف شروط الإيمان ،ويتنكر لمقدرات الوحي.

وإن الجماهير التي لا تفرض على حكوماتها أن توفر لها الطيب من الأطعمة جماهير غافلة، لا تعرف متطلبات الإيمان بالله ولا تقوم بما فرضه نحو صيانة الأبدان والأنفس.

والآية الكريمة تخط للناس عموما والمستضعفين خصوصا منهج التلطف في مواجهة حركة الحياة.

التلطف ثقافة إسلامية عامة، لا تدخل في شيء من معاملات الخلق إلا أكسبته زينة.

والتلطف و اللين ثقافة مانعة من الاستقطاب في المجتمع، وثقافة صانعة للتأنس، وثقافة مقاومة للعنف والتوحش.

الآية الجليلة تضع بعضا مما يرقى باقتصاديات الأمة

وتدل على صناعات إستراتيجية وتكشف عن حدود جديدة للإيمان هجرتها الحكومات وهجرها الناس.

الآية تقرر أن طلب ما هو أزكى من الطعام أمر موصول النسب بمفهوم الإيمان العملي. وتوجب على المؤمنين أن يسيروا بين الناس بمنهج التلطف والرفق واللين. وتتنزل الآن لأن الناس والحكومات فصلوا بين الإيمان وصناعات الأغذية. وهي تتنزل الآن لأن الناس خاصمت ثقافة التلطف واللين والرقة.

تزكية الطعام طريق لتحسين صحة الأبدان.. والتلطف طريق للسلم المجتمعي.. وهما معا من فرائض الإيمان.

اقرأ أيضًا

كأن القرآن يتنزل من جديد (1)

كأن القرآن يتنزل من جديد (2)