مفتاح المسجد الأقصى

جاء في مقال للكاتب داود الشريان بجريدة الحياة اللندنية بعنوان (أضعف الإيمان : الفلسطينيون يحاربون أنفسهم ) بتاريخ 23/4/2017 م ما يلي :

إن يدّعي أن منظمة التحرير الفلسطينية تفهم بالسياسة، يظلم السياسة والسياسيين. في عام 1965 انطلقت المنظمة من الكويت. وصار شعار الخارجية الكويتية، على مدى عقود، ولا يزال «ما يراه الفلسطينيون نحن معه».

بعد 25 سنة على هذا الموقف، تنكّر رئيس منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات لدور الكويتيين، ووقف إلى جانب الاحتلال العراقي للكويت.

الأسبوع الماضي عاودت المنظمة نهجها المعتاد. أغمضت عينيها عن مجازر النظام السوري بحق الشعب السوري، ووجّهت إلى بشار الأسد رسالة تهنئة لمناسبة «عيد الجلاء». تجاهلت أن الشعب السوري احتضن الفلسطينيين، وساواهم بنفسه في الحقوق. وهي بالغت في حفاوتها بالأسد، وكان بإمكانها أن تجعل التهنئة مناسبة للتعبير عن موقف أخلاقي تجاه المواطنين السوريين، لكنها، في أسف، لم تفعل.

 السلطة الفلسطينية كانت من الداعمين للثورة السورية في بدايتها. ولكن، تبيَّن اليوم أنّ تأييد منظمة التحرير وسلطتها للثورة السورية لم يكن موقفاً مبدئياً وأخلاقياً تجاه الشعب السوري، وثورته العادلة، بمقدار ما هو مجاملة مرحلية للرافضين شعارات ما يسمى «الممانعة» التي تاجر بها النظام السوري وحلفاؤه على مدى عقود، وحين طال الأمد على السلطة، غلب طبعها تطبُّعها.

يبدو أن صراع الفلسطينيين على كسب ود بعض الأنظمة العربية، وانعدام رؤية فلسطينية تجاه مفاوضات الحل النهائي، وسعي دول عربية، مؤيدة لثورة الشعب السوري، إلى التدخُّل في ترتيب البيت الفلسطيني، فرضت حالاً من التخبُّط الذي نتجت منه تلك التهنئة، ومن شبّ على شيء شاب عليه. فالوقوف إلى جانب الأسد في هذه المرحلة، لا يختلف عن الوقوف إلى جانب صدام حسين عام 1990، كلا الموقفين يفتقد الحد الأدنى من القيم…

ونقول :

هذا الذي يرصده الكاتب عن منظمة التحرير ليس في حقيقته إلا رصدا لجزء من الصورة الواقعية للمجتمع العربي ولن نكون بعيدين في حقيقة الأمر إن قلنا أن ذلك نتيجة السياسة الميكافيلية التي تسوقها المصالح دون المبادئ

لا تنفرد منظمة التحرير بهذا بل يشاركها في ذلك جل الدول العربية بنفس القدر من الانتهازية والبعد عن المبادئ

وانظر لما فعلوه بدول الربيع العربي وما كادوه لها لتدرك ما أقول

لكن من يتكلم عن هذا فإن قول الحق مر ولا يترك لقائله صاحبا ؛ والطعام في ظل الأمن مغر ما دام المرء ينعم برضا الأنظمة أو تغاضيها

بل بين قوسين نقول أن الكاتب نفسه لا تواته الجرأة على النقد بنفس الصراحة إن كانت الجهة التي ينتقدها مرضيا عنها من حكومة بلاده فضلا عن أن ينتقدها نفسها !!

والقضية السورية هي الآن مادة المعارضين الأشاوس في دول المشرق الخليجي دون أن تحظى قضية أكثر التصاقا بهم بنفس الاهتمام – فضلا عن القضية الفلسطينية التي يدعون عنايتهم بها – وأعني ما يدور في اليمن والورطة الحوثية التي تدعهما إيران وتوتر قدرة التحالف القليل الخبرة على حسم ممارساتهم

ويذكرني هذا بإمام مسجد خليجي استمعت إلى خطبته مرارا فإذا به في كل خطبة يدعو : اللهم أهلك طاغية سوريا وأزل ملكه وزلزل الأرض من تحته

” أوكي يا شيخ ” لكن هناك طغاة آخرين في دول قريبة ما دمت تملك هذا القدر من الشجاعة فاجعل لهم من دعائك نصيبا فليتك تفعل !

رغم كل هذا فإننا نوافق الكاتب داود الشريان على ملاحظته واعتراضه فقط نعمم ذلك على البقية الباقية

ونقول : أن ذلك كله لأن دين العلمانية الذي يجبر كل معتنقيه على تقديم المصالح المتوهمة على المبادئ الواجبة و كنا نتمنى ألا يحدث هذا في أمة ائتمنها ربها على حمل شعلة الحق للبشر وقال لهم : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم : منهم المؤمنون وأكثرهم الكافرون ) سورة آل عمران

فالمطلوب من هذه الأمة أن تقوم بدورها كخير أمة بأن تقول الحق و تواجه الجرائم و تساعد الخيرين وهم في ذلك يؤمنون بالله تعالى ربنا خالقا ورازقا ومحييا ومميتا فلا يكونوا كمن كفروا به وتنكبوا طريقه

بخصوص ما ذكره الأخ داود نزيد عليه أيضا مواقف مثل :

– تجاهل السلطة الفلسطينية لمعاناة شعبها في غزة وعدم السعي بجدية لتفك الحصار عنهم بدعوى تسلط حماس على الحياة السياسية فيها

– تجاهل السلطة لفلسطينيي الشتات مثلا وعدم الجدية في دمجهم بأية حلول يسعون إليها ورضوخا أيضا لإرادة الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب ( وهم حوالي 44% من تعداد الفلسطينيين )

– بل التجاهل للسلطة الحاكمة والمتحكمة في فكرة تداول السلطة داخل منظمة التحرير الذي تسيطر عليها فتح وتنفرد باستقوائها بالغرب على غيرها من المكونات

– التمسك غير المعقول بفكرة السلام مع الكيان رغم كل تجمدها تقريبا ورغم كل ممارسات الكيان الغاشمة التي يتضح منها اعتماده عليها في شق صف الفلسطينيين والسيطرة عليهم وتقرير وترسيم ما تريده من الأرض والحدود والسيطرة على القدس

– لم تواصل السلطة معركتها بخصوص الجدار الفاصل مثلاً، حتى بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها الاستشاري بخصوص لا شرعية هذا الجدار (عام 2004)، تلبية لطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن هذا الجدار يهدف إلى خدمة المشاريع الاستيطانية التي تتعارض مع وثيقة جنيف الرابعة، وأن هذا القرار يسري على الأراضي المحتلة كلها.

ونختم – بما يزيد نفس المعاني -بملاحظة الكاتب ماجد كيالي في مقاله إلى أين أخذتنا السلطة الفلسطينية (منشور على الجزيرة ) :

في الواقع؛ القيادة الفلسطينية همّشت منظمة التحرير الكيان المعنوي الجامع للشعب الفلسطيني، وفرّطت في ورقة اللاجئين بدل اعتبار تجمعاتهم جزءاً من موازين القوى في معادلات الصراع مع إسرائيل، ولم تشتغل على بناء مؤسسات السلطة وفق معايير وطنية وتمثيلية وديمقراطية، وعمّقت علاقات الاعتمادية في موازنة السلطة على الخارج.

فكيف يمكن لسلطة هذه حالها أن تضع مصالح وحقوق شعبها على رأس الأولويات وهي مرتهنة للدول المانحة؟

أو كيف يمكنها أن تقول “لا” لمواجهة الإملاءات الإسرائيلية أو الأميركية وهي لديها موظفون يقدر عددهم بحوالي 180 ألفاً (ثلثهم في السلك الأمني)،، ويحتاجون إلى ملايين الدولارات شهرياً؟

فوق ذلك؛ لم تشتغل السلطة الفلسطينية على النحو المناسب لإنهاء الانقسام، ولا من أجل جسر الفجوة بينها وبين شعبها في الداخل والخارج، ولم تهيئ ذاتها ولا شعبها للحظة استحقاقات بالغة الخطورة مثل هذه.

على الصعيد الخارجي أيضاً لا يبدو أن هذه القيادة تتصرف على نحو يفيد بإدراكها ما يحصل في المشرق العربي، خاصة مع زعزعة دوله وتقويض وحدة مجتمعاته، وتحوله إلى ساحة للصراعات والتدخلات الخارجية، ولاسيما الإيرانية والتركية والروسية (فضلا عن الأميركية طبعاً).) انتهى