الحكومة الأمريكية اخترقت النظام المصرفي العالمي

ورد في موقع هيئة الإذاعة البريطانية ( 16/4/2017) ما يلي : سُرِّبت سلسلة واسعة من أدوات اختراق الثغرات الأمنية في أنظمة الاتصالات المصرفية العالمية على شبكة الإنترنت،

وأفادت مزاعم بأن هذه الأدوات صُممت من جانب وكالة الأمن القومي الأمريكية، وتشير وثائق أرفقت مع التسريبات إلى اختراق محتمل للنظام العالمي للاتصالات المصرفية، الذي تديره جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، المعروفة اختصارا باسم سويفت.

وقال باحثون إن مثل هذا الاختراق ربما قد مكن الولايات المتحدة من مراقبة المعاملات المالية حول العالم.

ونُشرت هذه الوثائق من جانب مجموعة تطلق على نفسها اسم وسطاء الظل، أو شادو بروكرز Shadow” Brokers” وهي مجموعة قرصنة كانت قد سربت في وقت سابق برامج خبيثة.

وإذا ثبتت صحة هذه التسريبات، فربما تمثل أهم تسريب لملفات وكالة الأمن القومي الأمريكية، منذ تسريبات إدوارد سنودن عام 2013.

وكتب سنودن على تويتر واصفا تلك التسريبات بأنها “أم الاختراقات”، وذلك في إشارة إلى “أم القنابل”، وهو اسم قنبلة استخدمها الجيش الأمريكي ضد تنظيم الدولة في أفغانستان مؤخرا.

وقال عدد من الخبراء إن “التسريب الأخير للبيانات” حقيقي، لكن المؤسسات التي يفترض تورطها نفت صحة هذه المزاعم، أو رفضت التعليق عليها.

ونقول :

ما دام العالم يعيش مستسلما لما يفعله به السادة فعليه نتيجة لذلك أن يتوقع وربما يتقبل كل ما يفعل به سواء سياسيا أو اقتصاديا أو جغرافيا أو ثقافيا أو حضاريا

فهذا الاستسلام هو” أم الاستضعاف ” الذي يجر الطرف الآخر إلى ممارسة ” أم الانتهاكات” جريا على النسبة لأم الأشياء الشائعة هذه الأيام

فقبل قليل كانت ” أم القنابل” واليوم قنبلة من نوع آخر لا تقل أهمية عن التدخلات السياسية والعسكرية التي تمارسه القوى المستكبرة في العالم

حين يكتشف سكان العالم ومسؤولوه أن عالم المصارف المحصن ليس إلا برامج هشة تخترقها مجموعة من القراصنة وأن ذلك غالبا بطلب أو تغاضي من النظام الأمريكي

بل إن توقع وقوع تلك المعلومات وحدها في يد أجهزة المخابرات يمكن أن ينبني عليه تصرفات وتوقعات كثيرة بشأن اقتصاد البلاد وقوة رجال الأعمال ومدى حركة الأموال وملاءة الحكومات وغير ذلك

وبكل الأحوال فإن في عالم يقوم على إعلاء شأن الاقتصاد وتقع فيه الحروب من أجل مزيد من الفاهية للمتحكمين فيه فإننا نتوقع تحكما شرسا وجلدا مضنيا في عدم خروج الاقتصاد العالمي عن السيطرة

وأمريكا في هذا الصدد تحاول أن يكون لها اليد الأطول في هذا التحكم رغم محاولات دول أخرى الخروج من تلك الدائرة

وما دمنا في هذا التعليق نتناول الولايات المتحدة في تلك الفضيحة فإننا نركز عليها ونذكر بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحرص دائما في جانب تحكمها في الاقتصاد على :

السيطرة على التجارة الدولية :

وإطلاق اليد للشركات المتعددة الجنسيات لفرض سيطرتها على العالم من خلال تغلغلها وسيطرتها واحتكارها وقضائها على مشاريع صغيرة وصناعات وطنية ورشوة الحكومات والتوصل إلى السيطرة الاقتصادية على دول كبرى كالصين واليابان وغيرهما

السيطرة على منابع النفط :

والتحكم في عملية استخراجه بالسيطرة على الدول المنتجة والتحكم في عملية البيع بسياسة العرض والطلب حيث تخرج من مخزونها ما يجعل النفط تحت السيطرة من قرارها واستخدام النفط كورقة ضغط على الدول الصناعية والمنتجة

هيمنة الدولار على العملات الأخرى :

وبعض الدول تربط عملاتها بالدولار وأكثرها تتعامل في التجارة الدولية به وحتى بعض الموارد المحلية كقناة السويس تفضل الحكومة المصرية أن تتعامل به وإضافة للاحتياطي النقدي من العملات يقاس غالبا بما لديها من الدولار وكل ذلك يزيد من سيطرة تلك العملة على غيرها من العملات

السيطرة على المؤسسات الاقتصادية العالمية :

كالبنك الدولي وصندوق النقد منظمة التجارة العالمية والبنوك العالمية وغيرها

كل هذه العناصر التي تتحكم فيها الولايات المتحدة للتحكم في الاقتصاد والسيطرة عليه ينضم جنبا إلى جنب مع عوامل أخرى للسيطرة من خلال القوى الأخرى غير العسكرية كسيطرة الفن والثقافة والإعلام الأمريكي والتعليم الأمريكي وثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية على النسق الأمريكي والتشجيع على نمط الحياة الأمريكي

( انظر كتاب : القوة الأمريكية في النظام الدولي : د علي زياد العلي )

ومن أسباب محاولة السيطرة الأمريكية على الاقتصاد سبب مهم وهو سد مواطن الخلل ومداراة عوامل الضعف الذي يكتنف هذا الاقتصاد لئلا نعتقد بأن محاولات سيطرتها تعني وصولها لحد الذروة أو نجاحها التام وتفوقها المحض

فالاقتصاد الأمريكي يعاني مثلا من :

– انخفاض معدل الادخار لأقل من 2 % مع سيطرة نمط الحياة الأمريكي المعتمد على الاستهلاك

– انخفاض معدل الإنتاج الأمريكي الصناعي مع وجود منافسين من دول أخرى فبعد أن اكن الإجمالي الصناعي بحدود عام 30 من القرن الفائت يبلغ أكثر من 44 % من إجمالي الناتج العالمي فإذا به الآن في مطلع الألفية الثالثة أقل من إنتاج الاتحاد الأوروبي ويزيد قليلا عن اليابان التي لا تتعدى ال 5 %

– نمو العجز الخارجي ( الاستيراد أكثر ) وتفاقم الدين الداخلي ويقترب لحوالي 10 تريليون دولار حيث نصيب كل فرد أمريكي منه حوالي 30 ألف دولار

– التفاوت الحاد في توزيع الثروات والدخل

( انظر الصراع بين الولايات والصين وروسيا : تامر إبراهيم كامل )

فكل تلك المشكلات تحفز الإدارات على محاولات السيطرة على الاقتصاديات الأخرى

ولم لا ما دامت تلك الدول تخاف من الكاوبوي وتحسب له ألف حساب وتتجنب إغضابه أو الاستقلال عنه ؟

إن الخروج من منظومة السيطرة الأمريكية وأي بديل آخر يخلفه أو ينافسه هو واجب الوقت للدول التي ترغب بالنهوض والاستقلال

وهذه ليست شعارات ترفع بل مشاريع يجب أن تتبنى وأن نسعى لها وأن نخطط لها

لن يكون لنا كيان مستقل ما لم يكون لنا نظام تدفق أموال يعتمد على الاقتصاد التنموي غير الخادع ولا الربوي

اقتصاد يقوم على العلم ويرسخ الإنتاج في كافة المجلات الزراعية والصناعية والتقنية

وحينئذ سننهض لأن الدنيا تقوم على أسباب ولن تتمكن أمريكا ولا غيرها أن تسطو على معلوماتنا التي أمدتنا هي بمفاتيحها التقنية لأننا سنملك وقتها نماذج ونظم لا تعرفها ولا تسيطر عليها

وحتى ذلك الحين ستتحمل الشعوب تلك الاعتداءات الأمريكية وما تقوم به الدول الأخرى المتطلعة لوراثتها كروسيا والصين

وستكون هناك أم تسريبات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وعسكرية كثيرة

من يمكن منافسه من رقبته لا يلمه أن قام بخنقه فلا أحد يلتفت لجدي ميت !