جلال أمين

الناس يبدأون حياتهم غير متساوين، فى الذكاء أو فى التاريخ العائلى، أو فى ميراثهم من الأجداد، أو فى القوة الجسمانية ..الخ

قد يدفعهم الشره إلى المزيد من المال والسيطرة إلى بذل الجهد للحول دون محاولة الآخرين للحاق بهم، بل وقد لا يتورعون عن استخدام قوة الدولة لصالحهم، من أجهزة الشرطة والجيش والبيروقراطية الحكومية.. الخ، ولابد أن يؤدى ذلك إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن المساواة. بهذا يمكن تفسير فشل الثورات التى تقوم من أجل تحقيق المساواة فى داخل المجتمع الواحد، وفشل الدول الفقيرة فى التحرر من سيطرة الدول الأقوى منها، وفشل الجميع فى القضاء على التمييز العنصرى أو الدينى أو التمييز ضد المرأة

ـ ـ ـ

ونقول:

ونقول : ومن أجل هذا الاضطراب في المفاهيم ولضبط هذا التغول في الأجهزة والقوة الحكومية جاء نظام الإسلام ليربي على المساواة بشكل تندمج فيه التوجيهات مع التطبيقات، سواء كان ذلك في عبادة الناس أو في معاملاتهم.

فالإسلام يرسخ مفهوم المساواة في العبادة، حين يجعلنا نتوجه لقبلة واحدة، ونستوي في الصفوف فلا يتميز بيننا صاحب جاه ولا ملك، وفي الحج يعلمنا التواضع في لبس الإحرام، وفي المبيت بالعراء فلا يتميز أحد على أحد، وقل مثل ذلك في الصيام والزكاة وكافة الطاعات.

وفي المعاملات يرسخ مفاهيم العدل ولو على أنفسنا أو الوالدين والأقربين، ولو حتى من نعدل معه يكون كافرا ” اعدلوا هو أقرب للتقوى ” ويسوي بين الناس شريفا كان أو وضيعا ويبين أنه : إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده – يقولها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

مساواة الإسلام كانت واقعا عمليا وليس مجرد نصوص.

ولقد وعاها الخلفاء الراشدون حين أنزلوا أنفسهم من مال الله كمثل كافل اليتيم إن استغنى تعفف وإن أكل يأكل بالمعروف كما قال عمر رضي الله عنه ولذا لم يستبح أحدهم خزائن الأموال بل رد عمر أبا بكر حين رآه أول أيام الخلافة من السوق الذي ذهب له ليسعى على عياله، ثم في مجلس شورى فرض له مستحقات أقرب للزهد كخليفة للمسلمين فلم يتعده لغيرها.

مساواة الإسلام هي التي جرأت القبطي لينال حقه من ابن الأكرمين عمرو بن العاص رضي الله عنه فتجشم السفر للخليفة عمر حتى اقتص له، لأنه يعلم أن تلك دولة عدل ومساواة

مساواة الإسلام هي التي أنصفت اليهودي الذي اتهم زورا بالسرقة في عهد رسول الله وأدانت المسلم مرتكب الجريمة.

والمساواة هي التي اقتص بسببها رسول الله ممن قتل عبدا مملوكا وسرقوا ما معه وكانوا جماعة فطبق على قاتليه حد الحرابة والذي رض بسببها رسول الله رأس قاتل فتاة صغيره بغية سرقة قرط بأذنها.

مساواة الإسلام ساوت بين غير المسلمين في القضاء مع أكبر رؤوس المسلمين من الصحابة أو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأيضا مع الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.

تلك المساواة الحقيقة التي أمر بها الإسلام وطبقها واقعا

لكن لما ضل الناس عن سبيل الله تعالى وبعدوا عن الحق الذي جاء به ورضوا بالباطل من المناهج الأخرى وخنعوا لعلمنة الأفكار والأحكام وتركوا جادة الصواب وخضعوا لضلال المناهج الفاشلة ولشهوات الحكم والملك ابتلوا فوكلوا لأنفسهم وتحكمت بهم الأهواء

ولو عادوا لهداهم الله تعالى سواء السبيل

نسأل الله تعالى لنا الهداية وأن نكون ممن يطبق العدل والمساواة على أنفسنا ووفقا لما أمر الله تعالى به