صلاح الدين الأيوبي

جريدة”المصري اليوم” نشرت موضوعً تحت عنوان الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي: «استولى على أموال الأزهر ورفض تحرير فلسطين وأحرق مكتبات الفاطميين» بتاريخ 05,مارس,2015

ـ ـ ـ

ونقول :

اعتمدت الجريدة في هذه المقالة على كتاب “صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين” لحسن الأمين .. فمن هو حسن الأمين الذي اعتمدت المصري اليوم عليه في تشويه صورة صلاح الدين؟

حسن الأمين هو مؤرخ شيعي لبناني وابن أحد كبار مراجع الشيعة العاملين في لبنان محسن الأمين.

وعن كتابه هذا يقول المؤرخ محمد شعبان أيوب :

قرأتُ له في هذا الكتاب فرأيته يسير على طريقين:

1- انتقاء الروايات التاريخية التي تؤيد عداءه المسبق لصلاح الدين.

2- تفسيره الطائفي للأحداث.

ولأن الرجل شيعي متعصب لشيعته فطبيعي أن يكون معاديًا لصلاح الدين الذي أسقط الدولة الفاطمية العُبيدية الشيعية من مصر، لكن من غير الطبيعي أن تأتي المصري اليوم بهذه المقالة الكاذبة والإجرامية في حق رجل من كبار رجالات السنة في تاريخهم إلا لو كانت شيعية الهوى فتلك قضية أخرى!

 

تفاصيل أخرى عن حسن الأمين

المؤرخ الشيعي اللبناني المعاصر البارز حسن الأمين (ت 2002)، فهو يعتبر أنموذج للمحقق التاريخي المنصف والمحايد والنزيه، والبعيد عن الطائفية عند الشيعة والحريص على التقريب بين المذاهب وجمع شمل المسلمين. رغم أنه وقف حياته كلها للتأليف حول الشيعة، وتحسين صورتهم عبر التاريخ.. فكيف ينظر حسن الأمين لصلاح الدين الأيوبي؟

يقول حسن الأمين مقارنًا بين سيف الدولة وصلاح الدين: لقد قارع فارس بني حمدان، ..هذه الدولة المتاخمة للثغور الشمالية.. بكل قوة، وكسر الحمدانيون شوكتهم في جميع حروبهم، بل هاجموهم غير مرة، من دون أن يشوب قتالهم الصليبيين أية شائبة.. فيما تعلقت شوائب كثيرة في سيرة صلاح الدين وفي طبيعة حروبه مع الصليبيين، حتى أثار ذلك غضب الأمير نور الدين فغزاه بجيشه إلى مصر ليعزله عن الإمارة، ولم يجد صلاح الدين مخرجًا من ذلك إلا بالاستسلام والتذلل المفرط له؛ ليعفو عنه ويعيده إلى سلطانه!

أما خلف صلاح الدين من أبناء أيوب، فقد تلوث تاريخهم بخيانات فاحشة حتى أعادوا للصليبيين جميع ما انتزعه منهم صلاح الدين! وكان فارس بني حمدان أديبًا شاعرًا، جعل من عاصمته قبلة للأدباء والشعراء، بل عاصمة للعلم، يأوي إليها الكثير من العلماء، على اختلاف ولاءاتهم المذهبية والسياسية.. فيما كان صلاح الدين صفرًا من ذلك كله!! بل كان دون الصفر بما صنعه من تخريب ودمار بدور العلم والمكتبات الكبرى التي خلفها الفاطميون في القاهرة!

على هذا النحو يقوم حسن الأمين بتلميع سيف الدولة على حساب الحط من قيمة صلاح الدين. ولم يكن ذلك صدفة، أو بناء على وقائع تاريخية، فهو ما قال ذلك إلا لأن سيف الدولة الحمداني يُزعَم بأنه شيعي، وصلاح الدين سني، رغم أن أهل السنة لا يذكرون سيف الدولة إلا بخير، ولا ينكرون دوره في قتال الروم. لكن ماذا نفعل لأناس يكذبون الكذبة فيصدقونها، ولا يجيدون إلا ذرف دموع التماسيح، وتمثيل دور المظلومية، لكي يؤثروا بذلك على عقول أتباعهم من الشيعة البسطاء.

وتصل جرأة حسن الأمين إلى التشكيك في نية صلاح الدين ونزاهة غرضه، وتشخيص شخصيته وفقًا لمنظاره المحدب الأسود القاتم، بل تصل به الجرأة إلى التقليل من أهمية تحريره للمسجد الأقصى المبارك، وانتصاره في حطين، هذه المعركة التي تعتبر وفقًا لكبار المؤرخين إحدى أهم سبع مبارك كبرى في التاريخ. يقول حسن الأمين: ((وهكذا فإن صلاح الدين لم يقدم على غزو الفرنج إلا بعد موت نور الدين واعتقاده بأن في هذا الغزو توسيعًا لملكه وانفرادًا بهذا الملك. وماذا كانت نتائج حرب صلاح الدين، لقد انتصر في حطين فتحررت القدس، وإذا أبعدنا قدسية القدس جانبًا، فإن تحرير القدس لا يعدو في نتائجه تحرير أية مدينة أخرى في فلسطين.

إلى هذا الحد يصل بنا حسن الأمين، إلى إبعاد القدسية عن مدينة القدس. “فهل يمكن أن يتم هذا بكل بساطة؟ وهل يصح أن ننظر إليها على أنها مدينة عادية كغيرها، وهل سيتناسى الناس أنها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم).

ويقول حسن الأمين: إن تحرير القدس يجب ألا يعمينا عن النظر في الحقائق التي أعقبت هذا التحرير. لقد تحررت القدس وتحررت معها مواضع أخرى، ولكن الصليبيين لا يزالون جاثمين على قلب الوطن الإسلامي ولا تزال معظم البلاد الأخرى غير محررة.

ويزعم حسن الأمين: “أن صلاح الدين بادر إلى التفاهم مع الصليبيين وإعلان وقف القتال بينه وبينهم، للتفرغ لقتال جيش الخلافة، بالتعاون بينه وبين الصليبيين لمقابلة هذا الجيش”.

وهي دعوى باطلة، ليس لها أي أساس من الصحة.

هكذا يوجه حسن الأمين سهامه الحادة والمسمومة، للنيل من رموزنا التاريخية، وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي، فيصمه بهذا الأوصاف البشعة من الانتهازية والإثرة والتخاذل، بل ويتهمه بالتنازل عن بعض البلاد للصليبيين، متناسيًا أن هناك حملة صليبية ثالثة جرارة قد غزت الشام، تحالفت فيها أقوى ممالك أوربا المسيحية ضد الإسلام، وضد صلاح الدين.

ومع تسليمنا بالأخطاء الذي ارتكبها خلفاء صلاح الدين الأيوبي، إلا أن حسن الأمين المؤرخ (المنصف والمحايد والبعيد عن الطائفية).. نسي أن يذكر بالمقابل أن الدولة الحمدانية انتهت إلى دولة عميلة ذليلة تابعة للروم، بل إنها بموقعها في حلب في شمال الشام، انتهت لأن تكون خط دفاع أول عن الإمبراطورية البيزنطية في حربها ضد المسلمين. لدرجة أن البيزنطيين أنفسهم، حرصوا على إبقائها.. وليس مؤرخي السنة هم من يقول هذا، بل مؤرخو النصارى.. وأذكر منهم المؤرخ اللبناني – الفلسطيني، نقولاَ زيادة.

كما نسي حسن الأمين أيضًا أن يتطرق إلى الدور الخياني الذي لعبه الشيعة في الشام خلال فترة الحروب الصليبية (1097 – 1299).

ولأن حسن الأمين وأمثاله من مؤرخي الشيعة، يرون بالمقلوب ولأنه من طائفة تحب أن تحمد بما لا تفعل فهو يحاول أن ينسب للشيعة البطولات التي حققها المسلمون ضد الصليبيين، فنجده يشيد ويتغزل بإمارة شيعية، لم يسمع بها أحد في التاريخ، أو على الأقل هي غير موجودة بالصفات التي يصبغها عليها، سوى في الخيال الشيعي الخصب والمفعم بالكذب والتضليل، أما صلاح الدين الأيوبي فعند حسن الأمين، ليس بشيء بل جبان خائن مستسلم، كما هو واضح أعلاه.

فعند المؤرخ الشيعي حسن الأمين أن ((دولة بني عمار، المملكة الصغيرة المتماسكة والقوية، والتي كبدت الصليبيين خسائر فادحة، حتى كانت آخر مدن الشام وفلسطين صمودًا، فلم تسقط بيد الصليبيين حتى فرغوا لها بعد احتلالهم عشرات المدن الكبيرة. هذا ناهيك عن كونها واحدة من أعظم الحواضر العلمية في تاريخنا، فإضافة إلى مكتبتها العظمى التي لا تتفوق عليها سوى مكتبة الفاطميين في الأزهر، فقد كانت قبلة لأهل العلم، لما يجدونه فيها من عدل ومكانة وبيئة علمية ممتازة..

هذه المملكة الصغيرة، والمفخرة الكبيرة، لا يكاد يسمع باسمها أحد من قراء آلاف الصفحات التي تتحدث عن الحروب الصليبية، وأمجاد صلاح الدين)).

أما نصير الدين الطوسي، المنجم الشيعي مستشار القائد المغولي السفاح هولاكو ودليله ومحرضه على تدمير بغداد حاضرة الخلافة العباسية، وإبادة علماء السنة، فهو عند حسن الأمين “سيد علماء عصره” ويعتبر ما قاله التاريخ فيه مغالطات وتحايل، فهو يتساءل محتجًّا: “ثم لماذا يوضع سيد علماء عصره، نصير الدين الطوسي، والذي يعد واحدًا من فحول العلم في الدنيا كلها، وفي العصور كلها، لا في بلده أو عصره وحسب، لماذا يوضع غرضًا لسهام الطعن والاتهام بتهم كبيرة، من دون نظرة تحقيقية جادة.. فيما يعفى الكثير ممن كانت لهم تلك الأدوار التي نسبت زورًا إلى نصير الدين، ليطعن الأخير، ويُعفَى الآخرون؟!

لقد كرس المؤرخ الشيعي اللبناني المعاصر حسن الأمين حياته كلها لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي من وجهة نظر شيعية بحتة.

وقصر أبحاثه على تاريخ الشيعة.. وتلميعهم، وألف فيهم الموسوعات الضخمة، ورد على عدد من الكتب التي ألفها السنة ومهاجمتهم واعتبارهم مخطئون بينما هو على صواب. فالخلافة الأموية عنده خلافة منحرفة والخلافة العباسية خلافة متفسخة مفككة.. وأما تاريخ الجهاد والبطولات، والعلم فهو تاريخ الدول البويهية والفاطمية والحمدانية ..وكل ما يتعلق بالسنة هو سلبي أما الشيعة فتاريخهم ناصع وحافل بالبطولات والتضحيات..

لقد قضى حسن الأمين وقتًا من حياته يتجول في بلاد فارس ويتنقل بين مدنها وقراها وآثارها. ولشدة ولعه بتبرئة الشيعة وحرصه على إدانة مؤرخي السنة، فقد ذهب إلى قلعة ألموت (قلعة الحشاشين وقائدهم الحسن بن الصباح)، في بلاد فارس وقد خرج من هذه الزيارة بنتيجة مفادها أن الحشاشين، لم يسموا كذلك لأنهم كانوا يشربون الحشيش المخدر، وإنما جاء من اسم نبتة كانت تزرع في بلادهم.

بل ولو لم ينس حسن الأمين أثناء زيارته لإيران ولقلعة الحشاشين، لم ينس أن يعرج على قرية (يزجرد) آخر الأكاسرة وأقرؤوا معي ماذا يقول عنها وعن يزجرد: يقول متعجبًا وبلهجة تشوبها الحسرة: “ومن العجيب أن يكون مصير اسم يزدجرد آخر الأكاسرة هو إطلاقه على هذه القرية البسيطة!

فماذا يقصد حسن الأمين بقوله هذا؟!

وفوق ذلك كله، ورغم العداء الواضح للسنة وتاريخهم، فحسن الأمين يمتدح من قبل مفكري الشيعة بأنه “ضد الطائفية”، وبأنه لم يخرج عن المنحى العلمي للبحث، ولم يركب المنحى الطائفي فيه. بل على العكس من ذلك، كان يتحين الفرص لضرب الطائفية وإظهار روح الأخوة أينما وجد لذلك متلمسًا.