مسعود صبري

يقول د. مسعود صبري تعليقا على أحكام الإعدام بحق أربعة عشر من قيادات الإخوان والحكم بالمؤبد على عشرات منهم: صدور حكم قضائي على أربعة عشر من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وفيهم علماء تفخر مصر بهم، كالأستاذ الدكتور صلاح الدين سلطان، الفقيه الأصولي الداعية المربي، وكل من حكم عليه بالإعدام أو المؤبد هم من الدعاة إلى الله تعالى، لا يشك من عنده دين وإيمان أن هذا مما يخالف شريعة الله تعالى، ويناقض أحكام القضاء الجائر، في الوقت الذي يحكم فيه بالبراءة على الفاسقين والفاسدين والسارقين وسفاكي الدماء.

أنه من الواجب الشرعي أن ينكر كل مسلم هذا الحكم بقلبه، مهما كانت خصومته أو خلافه السياسي مع جماعة الإخوان، فالحكم بالإعدام ما ينبغي أن يكون له تعلق بالعمل السياسي. وقد أمرنا الله تعالى بالإنصاف حتى مع المخالف، وجعل ذلك من علامات المؤمنين، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8].

أما من رضي بهذا الحكم ولو بقلبه، فهو مشارك في الإثم، محاسب عند الله تعالى على هذا.

أما فيما يتعلق بالقضاة الذين باشروا الحكم، والمفتي الذي صدق عليه، فهم ضامنون، وقد قرر الفقهاء أن القاضي إذا حكم على خلاف أهل العلم، ولو كان مجتهدا، فحكمه مردود، لا عبرة له، وإنما يرفع عنه الإثم إن كان اجتهد فأخطأ، أما إن كان يتعمد الخطأ، فهو ضامن، ومسؤول عما حكم عند الله تعالى.

أن من رحمة الله تعالى أن ليس شيء يضيع عند الله تعالى، وأن الحقائق عنده تعالى لا يمكن تزوريها، وأنه لا يظلم عنده أحد، وأن الخلق موقوفون عنده يوم القيامة للحساب، كما قال تعالى: { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29].

وجمهور العلماء على أن من شارك في قتل مسلم عمدا وهو يعلم أنه بريء، فعليه القصاص.

قال المالكية : إن علم القاضي بكذب الشهود وحكم بما شهدوا به من رجم أو قتل أو قطع ، فالقصاص عليه دون الشهود،وأما إذا لم يعلم فلا قصاص.

وقال الحنابلة : يجب الضمان على القاضي إذا حكم بقطع أو قتل بمقتضى شهادة شاهدين ظهر فيما بعد عدم جواز شهادتهما ، ولا قصاص عليه لأنه مخطئ وتجب الدية.

هذا في حالة الخطأ، أما في حالة العمد، فعليه القصاص.

وهذا القصاص لا يقوم به آحاد الناس وأفرادهم، ولو تعذر قيامه، حتى يقوم به الحاكم ولو بعد فترة من الزمن، فإن الحقوق لا تسقط بالتقادم.

أن ما نسمعه ونراه من أحكام قضائية يطعن في منظومة القضاء، ويقلل من هيبة القضاء في أعين الناس، مما يكون له ضرر على المجتمع، فليست المشكلة في صراع بين سلطة الانقلاب وبين رافضي الانقلاب، وإنما الخطأ الأكبر هو ضعف الدولة وسلطانها بأفعال الظلم والأحكام الجائرة.