أسامة الغزالي حرب

يقول الدكتور أسامة الغزالي حرب في مقال له بالأهرام تعليقا على استهداف أبراج الكهرباء: أليس الأولى بشرطة الكهرباء حماية أبراج الكهرباء، وإذا كانت تلك الحماية صعبة بسبب كثرة أعداد الأبراج أليس من الممكن مثلا أن تتم لا مركزيا بحيث تتولى كل محافظة حماية الأبراج الواقعة فى نطاقها، بالتعاون مع شرطة الكهرباء؟

وإذا كانت تكلفة إصلاح برجى كهرباء «مدينة الإنتاج الإعلامي» تتعدى مليونا ونصف المليون جنيه، ألا يبرر هذا كلفة إنشاء وتدريب شرطة متخصصة فى حماية الأبراج مجهزة بأدوات اتصال حديثة، وكاميرات… إلخ؟

أعلم أن المشكلة صعبة، ولكنها تبرر التفكير خارج الأطر التقليدية. انتهى

ونقول:

ينطلق كاتب من رصد مظاهر المشكلة دون النظر في أسبابها وهو أمر يثير الحزن والرثاء للمجتمع أن ينحدر مفكروه إلى هذه الدرجة من التسطيح واقتراح حلول لمظاهر مشكلاته المختلفة دون التعمق في أسبابها

إن هذه الاقتراحات تليق بجهات تنفيذية ولا أظنها تقصر في ابتكار حلول بهذه الطريقة من تكثيف الحراسة أو حتى إنشاء قطاع لحراسة الأبراج !

لكن ماذا لو تم استهداف مصادر المياه وهي أكثر بكثير من أبراج الكهرباء ؟

ماذا لو تم حرق الأسواق ؟ أو منع الطرق وسريانها وتفجيرها لتعوق السير بها؟ أو تفجير شبكات المواصلات والاتصالات والسكك الحديدية على غرار خطوط الغاز لإسرائيل؟ وغير ذلك مما يشل المجتمع ويصيبه في مقتل كثير لمن أراد الإيذاء

أليس من المستحيل تقريبا إيجاد سبل لهذا التأمين بهذا التنوع وتلك الضربات الموجعة المتلاحقة؟

الله تعالى نسأل أن يجنب بلادنا الفتن والاحتراب والأذى وأن يفك كربنا آمين

لابد إذن من علاج أساس المشكلة وليس مظاهرها

لابد من البحث في الأسباب التي أدت لبروز مظاهر العنف اليومي والآخذ في الانتشار والتوسع

فهنا فقط نسد خلل تسرب هذا العنف ونقطع وجوده لا أن نتعايش معه على خلله!

قديما شكى أحد عمال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من قطاع طريق يعدون على سكان مدينته التي يحكمها وطالب ببناء سور كبير لمنع اختراقها من اللصوص

وعمر -رغم قلة أيام حكمه- شيد وبنى وعمَر حتى عم الرخاء وزاد المال واغتنى الفقراء.. ولا يعجزه ولا يزعجه أن يجيب عامله لهذا الطلب وخاصة أنه طلب معقول ومقبول

لكنه فكر بطريقة أخرى – خارج الإطار التقليدي الذي ذكره الدكتور شادي – فكر في قطع أكبر أسباب هذا الانحراف وليس في علاج مظاهره

فقال له : حصنها بالعدل!

نعم إن أساس أغلب الانحرافات هي بسبب شعور المنحرف بالإحباط أو النقمة على المجتمع أو وقوع ظلم عليه -ولا سبيل له للقصاص من ظالميه- أومن  قلة ذات اليد بسبب فساد الحكام وأتباعهم

هناك أسباب يشارك فيها المجتمع حتما فعلى المجتمع أن يزيل الأسباب فتزول أغلب نتائجه

كم من مجرم جعلوه مجرما بما آذوه وأساءوا إليه ولو أعطي حقه لزالت أغلب المشكلات لدى طائفة كبيرة منهم ؛ويبقى من بعدهم نذر يسير من أصحاب العاهات والأمراض الشخصية والنفسية يمكن التعامل معهم فيقل عددهم وينحصر علاجهم

وفي حال بلدنا نجد – بكل صراحة ووضوح – أن غياب منظومة العدل وضياع الحقوق صار أصلا لا تخطئه عين حكيم لا على مستوى الأشخاص ولا حتى على مستوى الطوائف والمهن وغيرها

وفي معضلتنا السياسية يظن النظام – وهذا خلاف طبائع الأشياء-  أنه سينجو بجرائمه التي ارتكبها والمذابح التي قام بها وآلاف من المسجونين ظلما وقهرا سواء على مستوى القطر أو على مستوى بعض المناطق الملتهبة أو ما يحدث في سيناء

مهما برر وخدع ومرر لطائفة من الشعب فإن الحق واضح لمن تأمل

وهي أحداث معروفة ومعروف بدايتها من وقت ما تبع الانقلاب على العملية السياسية والرئيس الشرعي

ومن العجيب أن تبريرات النظام – التي لا تخيل على الناس خارجه – تجعله يعيش في واقع وهمي يصدق من خلالها نفسه بأنه على حق بينما يكذبه الخلق كلهم من حوله وأستغرب أن يفاجأ بعض المنتمين لهذا النظام أو المتعاطفين معه بأن البشر كلهم مشرقا ومغربا يدركون انحرافه بينما هو الوحيد الذي يصدق نفسه!

أتوقع مزيدا من العنف ومزيدا من التصعيد ما دامت المشكلات تبرر والأخطاء تتكرر

نحن لا نبرر العنف لكن نتفهم أسبابه ونقول حصنوها بالعدل وأقيموا الحق فتبتعد الأحقاد وتهدأ النفوس ولن تصفوا البلد إلا بهذا لو كنا نعقل وإلا فابحثوا عن شرطي يراقب كل مواطن وشرطي آخر يراقب الأول وهلم جرا!