جاء في موقع هيئة الإذاعة البريطانية بتاريخ 16/9/2022 م ما يلي :

قال البنك الدولي إن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم قد يؤدي إلى ركود عالمي في عام 2023.

وأشار إلى أن البنوك المركزية قد رفعت أسعار الفائدة “بدرجة من التزامن لم نشهدها خلال العقود الخمسة الماضية” لمواجهة ارتفاع الأسعار.

وينتج عن رفع أسعار الفائدة جعل الاقتراض أكثر تكلفة، وفي الوقت الذي قد يكون من المحتمل أن رفع سعر الفائدة سيؤدي إلى خفض وتيرة ارتفاع الأسعار، لكنه من المؤكد أن هذا الإجراء سيؤدي إلى إبطاء وتيرة النمو الاقتصادي.

ويأتي تحذير البنك الدولي قبل اجتماعات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا، والتي من المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة الرئيسية الأسبوع المقبل.

وقال البنك الدولي يوم الخميس إن الاقتصاد العالمي يمر بأشد فترة تباطؤ منذ عام 1970.

وأشار إلى أن نتائج دراساته وجدت أن «الاقتصادات الثلاثة الأكبر في العالم – الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو – تتباطأ بشكل حاد».

وقال: “في ظل هذه الظروف، فإن أي ضربة معتدلة للاقتصاد العالمي خلال العام المقبل قد تدفعه إلى الركود”.

كما دعا البنك الدولي البنوك المركزية إلى تنسيق إجراءاتها و«الكشف عن قرارات السياسة بوضوح» من أجل «تقليل درجة التشديد المطلوب».

وبلغ التضخم أعلى مستوى له منذ 40 عاما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الأشهر الأخيرة.

وكان هذا مدفوعا بارتفاع الطلب مع تخفيف القيود التي كانت مفروضة بسبب تفشي الوباء، وارتفاع أسعار الطاقة والوقود والغذاء بسبب الحرب في أوكرانيا.

وردا على ذلك، رفع صناع السياسات في البنوك المركزية أسعار الفائدة لتهدئة الطلب من الأسر والشركات.

ومع ذلك، فإن الزيادات الكبيرة في الأسعار تزيد من مخاطر الركود، لأنها يمكن أن تتسبب في تباطؤ الاقتصاد.

ونقول:

البنك الدولي مهنته الإقراض من أجل التنمية – ويتداول علي رئاسته أمريكي حصرا منذ نشأته-

ومعه في نفس الأهداف والتوجهات صندوق النقد الدولي المتحكم في السياسات الاقتصادية للكثير من دول العالم

وقد تأسسا في مؤتمر «برتون وودز» عام 1944 ومقرهما واشنطون دي سي العاصمة الأمريكية وهما يعملان معا بشكل وثيق

ولكن حقيقة ما يحدث منهما هي التدخل في الشئون السياسية والاقتصادية للدول وتوريطها في الربا والديون ومن ثم السيطرة عليها (ومن ثم يخضع لمصالح الشركات والمؤسسات العالمية التي تمثل المجتمع الرأسمالي للولايات )

وعلى الرغم من اشتراك دول كثيرة في مؤتمر النشأة إلا أن الولايات المتحدة كانت حريصة على السيطرة عليه وقد تم لها هذا

فالحال أن البنوك المركزية المشار لها في الخبر المرفق هي بشكل أو بآخر متأثرة بالبنك الدولي وبصندوق النقد إن لم تكن مؤتمرة بهما وعلى ذلك فكل حديث عن تلك البنوك وكأنها جهات مستقلة هو نوع من المغالطة

ودعنا نتأمل ما أشار إليه الخبير الاقتصادي الأمريكي ويليم بيركنز في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي وكان الكاتب يعمل كبيراً للاقتصاديين في شركة مين الأمريكية.

وكانت وظيفته الرسمية «قاتلاً اقتصادياً»:

ويُعرِّف الكاتب القتلة الاقتصاديين بأنهم:

«رجال محترفون يتقاضون أجراً عالياً لخداع دول العالم بابتزاز ترليونات الدولارات. وهم بهذا يحوِّلون الأموالَ من البنك الدولي، ومن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (‏، ومن منظمات (مساعداتٍ) أجنبية أخرى، لتصبَّ أخيراً في خزائن الشركات الضخمة وجيوب قلةٍ من الأسر الغنية التي تتحكم بموارد الأرض الطبيعية. وسبيلهم إلى ذلك تقاريرُ مالية محتالة، وانتخاباتٌ مُزوَّرة، ورشاوى، وابتزاز، وغواية جنس، وجرائم قتل. إنهم يمارسون لعبةً قديمةً قِدَمَ الإمبراطوريات، ولكنها لعبةٌ اتخذت في هذا الزمن العولمي أبعاداً جديدة رهيبة.»

ففي حقيقة الأمر تبدو تلك المؤسسات حيادية وتابعة للأمم المتحدة إلا أنها في حقيقتها مؤسسات متحكم فيها لا يستطيع قادتها التملص من تلك السيطرة ( حتى الأمم المتحدة نفسها يخضع قيادتها إلى انتقائيتها ولا يملك الأمين العام الخروج عن سياستها ونذكر فقط بما كان من بطرس غالي في إقالته من منصبه بعدما نشر تقرير مذبحة قانا في لبنان رغما عن الولايات ومن ورائها الكيان الصهيوني )

ويصاغ التدخل في شؤون الدول بطريقة مهذبة فيقولون:

هو تقديم قروض مؤقتة إلى البلدان منخفضة الدخل التي لم تتمكن من الحصول على قروض تجارياً وتقدم هذه القروض من خلال البنك ومؤسساته (ومؤسساته: بنك الإنشاء والتعمير – مؤسسة التنمية –مؤسسة التمويل الدولي – هيئة الاستثمار متعدد الأطراف – مركز تسوية النزاعات) 

فالقروض تقدم بيد والمطالبة بما يسمى «إصلاحات سياسية واقتصادية» تطلب بيد أخرى متزامنة وهو ما يجر غالبا مشكلات سياسية واجتماعية.

وحين نضع في التصور أن تلك القروض وتوابعها تقع في أياد غير أمينة في كثير من الأحيان من حكام ومعاونين فسدة تقدم لهم الإغراءات الشخصية والأسرية لتنفيذ القروض وليتمكن الإخطبوط من الفريسة بمزيد من الإنفاق غير المدروس ولا المنضبط فإن نتيجة القروض تكون كارثية على الوضع الاقتصادي ومن ثم على التحكم السياسي.

وتجربة ماليزيا بقيادة «مهاتير محمد»

تجربة ملهمة حين رفض مبدأ الاقتراض عامة ومن البنك وصندوق النقد خاصة ومن ثم اكتفى بالجهود أو البدائل الداخلية وقال :أنا لا أحب سياسة الاقتراض، خاصة أن المقترض يخضع للمقرض، فصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليستا مؤسستين عالميتين بمعنى الكلمة، ولكنهما يخضعان لسيطرة وهيمنة عدة دول فقط، ومن ثم فإن توجههما يصب لخدمة مصالح تلك البلدان.)

وصدق فإن سياسات التقشف وترك الدعم وفوائد الديون المتراكمة تؤدي كلها لمزيد من الإفقار والتردي الاقتصادي ورغم إقراضها من البنك الدولي مرارا وهو ما لم تسلم منه كل الدول التي اتبعت سياسات صندوق النقد أو البنك الدولي بما ينبه إلى خطأ توجيهات الصندوق من جهة وفساد المقترضين من جهة أخرى.

إن دولا مثل:

الفلبين وكوريا الجنوبية واندونيسي.لا تزال تعاني من آثار تدخلات صندوق النقد بعد أزمة النمور الاقتصادية.

وهناك تجارب أخرى ملهمة حين تورطت دولة مثل ملاوي في إفريقيا فاتبعت وصايا وتعليمات الصندوق ثم انتبهت إلى مزيد من معاناة شعبها فتخلصت من تلك المطالبات وعادت لتدعم الزراعة لديها بتوفير الأسمدة فنجت من مجاعات أحاطت بدول الجوار 2008،2007 وأضحت هي سلة غذاء المنطقة حتى إن صندوق الغذاء تعاقد معها لتوريد الذرة للمنطقة!

ومثلها فعلت دول كثيرة مثل تركيا ودول من أمريكا الجنوبية فتخطوا الأزمات الاقتصادية والسيطرة السياسية وصاروا جنبا إلى جنب مع دول العالم الأول التي لا يستهدفها البنك والصندوق بهذا التحكم.

ومع الأسف حاليا

لا تزال دول مثل: مصر وتونس ولبنان والسودان تسعى للاقتراض منه والتزام توجيهاته وهي دول بها شبكات فساد لا تخفى فهم يورطون الدول بتسولهم القروض لتسد بعض الخلل ولتقع من بعدها القروض في يد الطغمة الفاسدة ومؤسساتها المنتفعة وقد سبقتها المغرب وموريتانيا واليمن والأردن فهل جنت شيئا؟

إن قائمة المقترضين والطالبين للقروض من البنك والصندوق ومؤسساته كبيرة حقا وحسب موقع المؤسسة الدولية للتنمية (أحد أفرع البنك الدولي الخمس) فإن 74 بلداً مؤهلاً للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية؛ 59 بلداً مؤهلاً للاقتراض من المؤسسة فقط؛ و15 بلداً مؤهلاً للاقتراض المختلط من المؤسسة والبنك.

إذن يمكننا الانتباه إلى أن ثلاثة أرباع دول العالم تقريبا عليها سيطرة الصندوق والبنك وسياساته الربوية الماحقة وخاضعة لشروطها فحين نتذكر هذا التقرير أعلاه والتنبؤ بالأزمات التي يبشر بها البنك الدولي.

فالمنطق يقول

أنكم شركاء أساسيون في الأزمة التي تحذرون منها فما البنوك المركزية في العالم إلا بنوكا تخضع في جزء كبير منها لتحكمكم ولطلبات صندوق النقد من جهة ولسيطرة رؤساء الدول التي أخضعتموها لكم من جهة أخرى فلا تضعوا الأمر في مجال تحميلهم المسؤولية.

وأما الدول الباقية التي لا يتحكم فيها صندوق النقد فإن ركودها المتوقع ومعاناتها مرتبط بشكل أو بآخر بالدول الأخرى المتحكم فيها فهي جزء من سوقها المستهدف.

ويضاف لهذا الأزمات الأخرى المؤثرة كالحرب الأوكرانية والمناوشات بين الصين والولايات ومحاولات صياغة نظام عالمي جديد.

 وربما هناك سبب خفي لتململ الولايات من الكيانات والتحالفات الناشئة كتحالف «شنجهاي» لنفهم تحذيرات البنك الدولي عن التخويف من التهديد بالركود بأنه أحد أدوات السيطرة والتأثير والقوة الناعمة الأمريكية عالميا.