جلال أمين

يقول الدكتور جلال أمين المفكر المعروف في مقال له بجريدة الأهرام القاهرية (8/8/

2016) متحدثا عن صندوق النقد وأنه كالطبيب الذي يعالج مريضه بشكل أخرق أو خائن:

نحن جميعا نعرف أن الاقتصاد المصري وصل إلى هذه الحالة بسبب تدهور حالة الأمن والسياحة، لمدة تزيد على خمس سنوات، فانخفض الإنتاج والاستثمار، وزادت البطالة، وزاد عجز الموازنة العامة، فزاد الدين المحلي، وتدهور ميزان المدفوعات، فتدهور سعر الجنيه، لم يكن من الصعب فى البداية علاج مشكلة الأمن ومشكلة السياحة، ولكن لم يحدث هذا ولا ذاك، بل حدث ما زادهما تفاقما، وتغيرت الحكومات دون أن يحدث أى تحسن،

وتغيرت أسماء المسئولين عن الأمن وعن الاقتصاد وعن السياسة المالية والنقدية، دون أن يحدث التحسن المطلوب، وقال كثير من الاقتصاديين حتى بح صوتهم وفترت عزيمتهم، إن تحقيق الهدوء والسلام فى الشارع المصري، وعلاج مشكلة السياحة لا يحتاجان إلى معجزة، بل هناك ما يمكن عمله إزاءهما، وأن من الخطأ زيادة الإنفاق على مشروعات غير مهمة وغير عاجلة، فى ظل الحالة الراهنة من توقف الإنتاج وتدهور الاستثمار، المحلى والأجنبي، وانتشار البطالة، ولكن لم يستمع إليهم أحد، بل لم يعن أحد بالرد عليهم، والآن يقول المريض إنه يجب أن يذهب حالا إلى الطبيب، وحاله كما وصفت، فى أشد ما يشعر به المرء من الأسي، وما أشد ما يثيره هذا من الدهشة.

ولكن موقف الطبيب ليس أقل غرابة، لقد قبل الطبيب (أى صندوق النقد الدولى) استقبال المريض وهو بهذه الحالة، وقد يقال إن هذا أمر طبيعى ومفهوم، فهذه مهمة أى طبيب على أى حال، ولكن يجب أن يثير هذا فى حد ذاته انتباهنا، إذ يلفت نظرنا أن هذا الطبيب، باتخاذه هذا الموقف، لا يكون بعيدا عن الشبهات

إن الصندوق يتعلل عادة فى مثل هذه الحالات بالقول إنه «لا يتدخل فى الشئون الداخلية للدول»، وهو قول غريب، لأنه لا يلبث بعد هذا أن يتدخل فى أخص الشئون الداخلية للدول، كالإصرار على رفع الدعم أو تخفيضه بشدة، وتخفيض الإنفاق على الخدمات العامة، وتخفيض سعر العملة، بل يصر على «الخصخصة»، ويتظاهر (أى الصندوق) بأنه لا يدرى ما يمكن أن يفعله كل هذا بمحدودى الدخل، أو يقترح أشياء لمصلحة محدودى الدخل (كشبكات الحماية)، وهو يعرف جيدا أن ما يطبق منها لا يكفى بالمرة، وأن الفساد الشائع يجعل مثل هذه «الشبكات» عديمة الأثر تقريبا، أو يدعو الصندوق الى استبدال الدعم النقدى بالدعم العيني، (لأن النظرية الاقتصادية تقول إن هذا أفضل)، بينما يعرف جيدا أنه ليس هناك من طريقة عملية لحصر من يمكن أن يعطى له الدعم النقدي، أو الوصول إليهم، الصندوق إذن يعرف جيدا ما سوف تنتهى إليه توصياته اذا أخذ بها، ولكنه يتظاهر بأنه لا يعرفها، ويتخذ سمت الطبيب الوقور المحايد وهو يصف دواء يعرف جيدا، وهو يرى المريض بهذه الحالة، أنه لن يؤدى الى الشفاء مادام المريض لم يتوقف عن شرب الخمر والتدخين.

 ولكن من أكثر الأشياء مدعاة للأسى والدهشة، أن الطبيب، أمام هذه الحالة، ينصح المريض باستئصال إحدى الكليتين! لماذا يا رجل؟ الكلية منهكة حقا، بسبب السكر والتدخين، ولكنها مازالت تعمل، ومن الممكن علاجها دون حاجة إلى استئصالها، ولكنى بصراحة أشك فى أن الطبيب له علاقة مشبوهة ببعض المشتغلين بتجارة الكلي، إنى أقصد بهذا إصرار صندوق النقد الدولى على «الخصخصة»، فهو علاج أشبه فى رأيى باستئصال جزء منهك من جسم المريض، ولكنه قابل للعلاج، بشرط التوقف ابتداء عن كل ما تسبب فى إنهاكه.

 القطاع العام فى مصر فعلا فى حالة يرثى لها، لأسباب قديمة وحديثة، أما القديم منها فيعود إلى اللجوء فى الستينيات إلى تأميم ما يجوز وما لا يجوز تأميمه، لأسباب سياسية وليست اقتصادية، كما يعود إلى إرهاق المشروعات التى كان من المقبول تأميمها، بعمالة زائدة على الحاجة بسبب ضعف النمو بصفة عامة، الذى يعود بدوره إلى عوامل خارجية وأخطاء داخلية، ولكن أسباب ضعف أداء المشروعات العامة فى مصر لا تختلف كثيرا عن أسباب متاعب القطاع الخاص واحجامه عن التوسع والاستثمار، علاج القطاع العام ممكن إذن بنفس الأدوات (تقريبا)، التى يحتاجها تنشيط القطاع الخاص وتشجيعه: إدارة حكومية رشيدة، استقرار قانونى وسياسى، احترام القانون، محاربة الفساد، ترشيد السياسة التعليمية بحيث تصبح فى خدمة الاقتصاد وليست عبئا عليه، وعدم تبديد الإنفاق الحكومي على ما لا ينفع، لا ينفع القطاع العام ولا الخاص..الخ، بعبارة أخرى لابد أولا من الإقلاع عن الخمر والتدخين، والطبيب الذى لا ينصح بذلك من البداية لا يستحق اللجوء إليه

ونقول :

بطريقته في تمرير المعاني بشكل يقبله النظام  حتى يستمر في تواجده على الساحة يمرر لنا الدكتور جلال تصوره عن فساد الطبقة الحاكمة وما حولها  في مصر ويصف الحالة التي أوصلوا البلد لها وهو يتحدث عن الأسباب التي أفضت إلى الأزمات الحالية والتي استدعت اللجوء لصندوق النقد ويرجع ذلك في مجمله إلى تدهور الأمن والسياحة والأهمال المتراكم للقطاع العام والمشروعات غير المدروسة واستقرار القانون السياسية والترشيد ؛ فالأمر ما دام قد ذكر هذا فهو بالأساس قرار سياسي يتبعه الاقتصاد لأن الأمن على سبيل المثال جزء من السياسة وحل مشاكله سينعكس على الاقتصاد

وما نراه أن أصل كل الأزمات في مصر وفي غيرها من البلاد أن الفساد المستشري خلق امبراطورية تنتفع من كافة الأوضاع الجائرة والأحوال الظالمة التي تمر بها البلدان

وهو يجر وراءه أزمات بعضها مفتعل وبعضها من لوازمه كغياب الشفافية

 

غياب الأمن على سبيل المثال الذي ذكره الدكتور جلال ليس غيابا حقيقيا وإنما له أسبابه لو تم اجتيازها لأفضى إلى انتعاش السياحة وكثير من سبل الاقتصاد

ما السبب فيما يطلق عليه غياب الأمن ؟

 إن يد النظام القمعية تخرس كل لسان وتطال كل معارض وتتفاهم مع المجرمين وتتعاون مع البلطجية

فهل استتب الأمن ؟

إن من حظ مصر الحسن ومن حسن تقدير المعارضة أنها لم تحمل السلاح إلى الآن ضد النظام رغم كل ما تحملوه من أذى وظلم ومجازر هي الأولى والأعنف من نوعها في تاريخ المنطقة المعاصر وهذا هو السبب الأكبر لعدم استتباب الأمن

السلطة تصر على ارتكاب المجازر وتجاهل آثارها وهي لن تهنأ أبدا بنعمة الأمن لأنها من أهدر الأمن واستفز الأبرياء باستمرا إيذاءهم والأدهى بتوجيه الاتهام لهم على ما راتكبه بحقهم السلطة

فترى أن هناك مساجين بدعوى مشاركتهم في أحداث رابعة أو النهضة أو مسجد الفتح وغيرها من المجازر فيحاكم السفاح ضحيته على جريمته التي ارتكبها هو !!

 ولأن المجرم دائما يخشى من العقاب ومن انتقام المظلومين منه فإنه يلف تحركاته بالغموض ويتعامل بحساسية ” هستيرية ” مع مناوئيه ويستخدم البطش ويروج الأكاذيب ويدعي تعرضه لتحديات

وكل هذا يزيد الطين بلة وينعكس على الوضع السياسي والأمني  ومن ثم الاقتصادي

 

فاتورة استتباب الأمن باهظة بالنسبة له لأنه هو من تسبب في خلخلته وهو من يجب عليه دفع ثمنها وليس الشعب

وفي الأخير يلجأ النظام إلى حل سياسي أيضا وليس اقتصاديا لأن صندوق النقد تحركه الدول المساهمة بالأنصبة الكبرى ولا يخفى أنها هي الدول الكبرى صاحبة الرغبة في إدخالنا للحظيرة

 ومن ثم فتلك الدول الكبرى تسعى لفرض هيمنتها وسيطرتها على الدول من خلال صندوق النقد وشروطه وتصوراته والتي وصفها الدكتور بأنه كالطبيب الذي يصف لمريضه دواء لا يناسبه أو يطالبه بمتطلبات غير متناسبة مع مشكلته معروفة الحل

 الخلاصة : أن ما لم يقله الدكتور جلال معروف لكل عاقل ومن قديم

الأنظمة القمعية لا تبني دولا بل تؤزم مشكلاتها

 ولا حل لمشاكل البلاد الحقيقية إلا بحل المشكلات وإزالة الفساد وهو حل يستعصي على من بيده السلطة لأن به إزالة مملكة الفساد وهو جزء أساس منها

وأيضا اللجوء إلى صندوق النقد سيزيد الطين بلة وهو الذي يورط الدول وليس ينقذها