السيد يس

يقول الكاتب الصحفي “السيد ياسين”  في جريدة الأهرام القاهرية ( 21/7/2016) بعنوان “من الهوية المتخيلة إلى الهوية الأصولية”:

هذه الهوية الإسلامية المتخيلة تكون فى الواقع «يوتوبيا» إسلامية لا علاقة لها بالواقع -كما أكدنا فى مناظرتنا مع الشيخ «يوسف القرضاوى» التي دارت فى منتصف التسعينيات على صفحات جريدة الأهرام- ونشرنا نصها فى كتابنا الأخير «نقد العقل الدينى» (دار العين 2016).

غير أن هذه الهوية الإسلامية المتخيلة قد لا يترتب على اعتناقها بواسطة مجموعات من المسلمين ضرر يذكر. غير أن خطورتها تظهر حين تتحول إلى حركات «أصولية» لها قيادات وقواعد على الأرض، وتسعى إلى تغيير المجتمعات سواء بالدعوة أو بالعنف. وهذا العنف مارسته الحركات الأصولية الإسلامية بالفعل في الستينيات في مصر وغيرها من الدول الإسلامية وترتب عليه سقوط مئات الضحايا وقد تحول فى السنوات الأخيرة على يد تنظيم «القاعدة» بقيادة «بن لادن» ومؤخرا فى صورة «الخلافة الإسلامية» التي يتولى قيادتها الإرهابي «أبو بكر الزرقاوى» إلى إرهاب معولم يوجه ضرباته للمسلمين وغير المسلمين فى مختلف بلاد العالم. 

 ونقول :

يدعي الكاتب بأن الهوية التي ترغب الدعوات والقيادات الإسلامية بإيجادها على أرض الواقع بأنها ”  هوية متخيلة ” ويحدد معالمها هو من خلال رصده الذي يبني عليه فكرته في التالي :

الشورى -أسلمة المعرفة- رفض الاقتصاد الربوي -ممارسة التحريم الثقافي- استعادة الماضي وتحكمه فى الحاضر بما فى ذلك رفض الحداثة الغربية، خصوصا الحداثة الفكرية والتي شعارها أن «العقل وليس النص الديني هو محك الحكم على الأشياء».

هذه معالم خمس لما يرى الكاتب أنها من معالم الهوية الإسلامية التي يصفها بالمتخيلة وفي نفس الوقت يصم محاولات تطبيقها بأنها فرض للأصولية !

 ورغم صياغته تلك المعالم بطريقة توحي بنبذها وأنها أفكارا غير ممكنة أو قائمة في واقع افتراضي إلا أنه نسي أيضا أن يضيف إليها عناصر ربما هي أهم منها ويهتم بها الفكر الإسلامي الذي يرغب في نقده

 وأهمها : أسلمة نظم التعامل المجتمعي بمعنى أن تصاغ معالم الحياة الاجتماعية وفقا للنظام الإسلامي ( التربية – المناهج الدراسية – نظم الزواج والعلاقات الاجتماعية الخ )

وفاته أيضا ما يتعلق بصياغة القوانين والعقوبات وفقا للعقوبات الشرعية

وفاته كذلك التماهي في الفكر الإسلامي بين العمل للدنيا من أجل الآخرة

وفاته تربية النفوس على التعلق بخالق الأرض والسماوات تعبدا وتوكلا وحبا ودعوة

 هذه نضيفها لما صاغه من رصد يتخيل به أنه أمسك بزمام الفكر واستغرق المطلوب رصدا وفهما ونقدا!

 ونضيف أيضا أننا مع الأسف نفتقد الدقة  فيمن يسمون  أنفسهم بالمفكرين ويمتهنون الفكر في منطقتنا وبلادنا..

 فالكاتب مثلا خانته الدقة حين خلط بين اسمي “أبو بكر البغدادي وأبو مصعب الزرقاوي” وأراد أن ينتقص من الفكر المنتهج لمنهج العنف من التيار الإسلامي حين قال يتولى قيادتها “الإرهابي: أبو بكر الزرقاوي” اسمه البغدادي أيها الناقد المفكر

عيب أن تتكلم عن شيء لا تعرفه

 فقليل من الانتباه حين تنقد حتى لا تتوه الفكرة مع  “توهان التركيز” !

 في الحقيقة لا نرى تهمة في أن يكون هناك مشروعا إسلاميا ونفخر بأن يكون له معالم مثل ما ذكر بعضه الكاتب أو ما استدركناه عليه مع رفضنا لما أطلق عليه ممارسة التحريم الثقافي أو تحكم الماضي في الحاضر

لأننا نرى أن منهجنا يضبط أحوال حياتنا بما جاء في الكتاب والسنة فما كان فيهما محرم فهو محرم سواء في الثقافة أو غيرها وما كان مباحا أو له ضوابط فهو كذلك عندنا

وهذا ليس تحكما من الماضي وإنما احتكاما من الجميع للمنهج الرباني

 مع تفاصيل بالطبع بين ما هو قطعي الدلالة وبين ما هو ظني الدلالة أو ما هو معقول المعنى من العبادات وما هو متعبد به منها أيضا ولهذا تفاصيل ليس هنا مجال سردها

 وكل مشروع فكري في الدنيا له معالمه وكان  يعتبر في وقت ما مجرد تصورات في أذهان منظروها ثم تحولت مع الوقت إلى واقع على الأرض وهو بالمناسبة يناقض نفسه في نقده حين يصف المشروع بأنه متخيل ثم ينتقد محاولة الوصول إلى تطبيقه ولو ” بالدعوة ” حتى الدعوة بمعنى رفضه لكل صور تطبيق هذا المشروع فلك أن تتخيل حجم الغل والعداء للمشروع عنده في صورته الدعوية المسالمة…فضلا عن فرضه بالقوة

 فهو يريده أن يراوح مكانه ويعيب عليه أنه “تخيلي ” في نفس الوقت الذي يستنكر فيه تماما محاولة تسويقه سواء بالدعوة إليه وأيضا بفرضه من خلال المناهج التي تتبناه

 ويغفل في الوقت ذاته ما قام به غيرنا من فرض مناهجهم بالقوة سواء في إقامة مجتمعات تحمل الفكر اليساري والشيوعي أو تلك التي تحمل الفكر اللبرالي والمنهج الرأسمالي فما حدث في تكوين الاتحاد السوفيتي ليس بعيدا ولا كذلك ما تم من فرض اقتصاد الرأسمالية بعد الثورات الأمريكية والفرنسية ببعيد عن هذا لكنه ممنوع من وجهة نظره إن تعلق الأمر بمنطقتنا

لم يتعرض لأية أفعال وتصريحات عنصرية تماما يفعلها سادته في الغرب مثل تصريح رئيس فرنسا بأن الإرهاب إسلامي ولا بما قالته الإنجليزية باستعدادها  لضرب الأبرياء بالألحة النووية ومثلها نظيرها ترامب في أفكاره المتطرفة

 ولعله أغفل أيضا الأفعال على أرض الواقع في منطقتنا العربية والإسلامية التي يبرر بها أصحابه كافة جرائمهم وبداتهم العرقية لشعوبنا وعلى رأسها فلسطين والعراق وسوريا

 ونحن في فكرنا الإسلامي عشنا تطبيق الفكر الإسلامي كمنهج حياة في عضور مختلفة لم تكن عصورا ظلامية كمن ينتمي إليهم السيد ياسين من الغرب الذين يأسى لرفض حداثتهم  وإنما كانت عصورا تنويرية تقدمية أمسكت بمشعل الحضارة وقادت البشرية إلى النور بعدما عاشت قرونا في التيه والظلام.. بكل الأحوال لا نرى تهمة فيما ذكر من معالم الهوية لكنه تدخل في صياغة مفردات نراها متجنية تماما

وهذا المقال يعكس حال الاستسلام للغرب ومنهجه من قبل من يرون أنفسهم مفكرين ومجاملتهم للأنظمة التي تمارس القهر للفكر وتعتبر أن كتب العلماء والمفكرين يجب أن تحرق، ويصور الواقع الذي يعيشونه حين يرون أفعال الأمة تقع بين الخيال والتطبيق العنيف، ويتجاهل حضارة أمة كاملة وينتقد كافة ما يتعلق بها .. والبديل …لن يكون إلا الفكر والثقافة والهوية الغربية التي يروجون لها …

 ولا نستبعد في نفس الوقت أن يتبنى الكاتب فكرا مؤيدا  إن وجد -ومن يشبههم-  في واقع يعلي  من الفكر الإسلامي

سيتحول فعلا  عن موقفه الحالي من ذلك الفكر وربما  يصير من منظريه ومفندي الشبهات حوله

لكن تخرج تلك المقولات ضد المنهج افي هذه الظروف لأنه صار مرمى  للسياسيين وأتباعهم ومنافقيهم 

الخلاصة أننا في أتون معركة يبررون فيها علمنة الحياة ونريد أن نردها إلى صوابها لكنهم يعاندون ويتمنون للفكر الذي يفترض انتماؤهم إليه كل فشل

فيا لخيانة المفكرين