في جريدة الأهرام ( بتاريخ 10/5/2022) مقال للصحفي ماجد منير (وقد نعت برئيس تحرير الأهرام) وتحت عنوان (الواجب المقدس)  قال الكاتب:

تثبت الوقائع والأحداث الجسام يومًا بعد يوم، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، زعيم وقائد من طراز فريد، لا يترك شيئًا للمصادفة، ولا يتنازل عن أي جزء من مهمة الواجب المقدس، مهما يكلفه الأمر، ومهما تكن ردود الأفعال، تنفيذًا لما وعد به الشعب العظيم من حماية للمقدسات والأرواح والمقدرات، وتوفير حياة كريمة آمنة.

 وبعد أن قدم رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة تعازيه، لأسر ضحايا الهجوم الإرهابي على نقطة رفع مياه غرب سيناء، وأسفر عن استشهاد ضابط و10 جنود، والذي تصدت له قوات الجيش العظيم، وبعد أن وجه رسالته ذات المغزى والمعنى إلى جيش مصر وشعبها،

وكتب بالحرف الواحد

«ما زال أبناء الوطن من المخلصين يلبون نداء وطنهم بكل الشجاعة والتضحية مستمرين في إنكار فريد للذات وإيمان لن يتزعزع بعقيدة صون الوطن، وأؤكد لكم أن تلك العمليات الإرهابية الغادرة لن تنال من عزيمة وإصرار أبناء هذا الوطن وقواته المسلحة في استكمال اقتلاع جذور الإرهاب»..

بعد أن طمأن الجميع بأن هذا الوطن المستهدف من أعداء الداخل والخارج، في أيد أمينة، تحميه، وتعتبر حياته وأمنه واجبًا مقدسًا، دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى اجتماع عاجل بعد العملية الإرهابية الغادرة والفاشلة، لمناقشة ما يمكن تقديمه وفعله على أرض الواقع في الأوقات العصيبة، وإدارة الموقف، واتخاذ كل الإجراءات التي تختص بحماية الدولة، وجعلها بمنأى عن المتربصين الذين يحاولون جرها إلى الوراء، وملاحقة العناصر التكفيرية الهاربة والقضاء عليها.

 ومن حق كل مصري أن يفخر بقواته المسلحة، التي أخذت على عاتقها مهمة تجفيف منابع الإرهاب واقتلاع جذوره من شبه جزيرة سيناء، بالتعاون مع الأهالي الشرفاء، إضافة إلى دورها التاريخي في الأزمات وانحيازها لصالح الشعب، ووقوفها إلى جانب مؤسسات الدولة في تنفيذ المشروعات القومية.

ولما لا يعيش كل مواطن آمنًا، مطمئنًا على تراب أرض وطنه، وهو في حماية جيش عظيم يبذل التضحيات للحفاظ على أمن الوطن وصون مقدساته، ويحمي الأمن القومي المصري على كل الاتجاهات الإستراتيجية للدولة، يسانده رجال الشرطة، الذين يسهرون على أمنه دون تردد أو تذمر.

لن تنال العملية الغادرة من هذا الوطن الغالي.. وكيف تنال من معنوياتنا، ونحن نرى حولنا ما يحدث من معجزات في كل المجالات في وقت قياسي – يشهد تغيرات تاريخية يئن منها العالم بأكمله – بإرادة قائد وهب نفسه في حرب مقدسة للتنمية والبناء، وجيش يقدم الأرواح قبل الجهد والعرق، وشرطة لها قضية مؤمنة بها، وشعب واعٍ، يدرك الأمور على وجهها الصحيح، ولا تجره الشائعات والمكائد، ويؤمن بقيادته، ويقدر ما يحدث على أرض الواقع، ولا تخطئه العين.. ودائمًا وأبدًا تحيا مصر.

ونقول:

المقال نموذج ممتاز لسيطرة لغة التناقض على الإعلام المصري ولتلبيس الحق بالباطل ولا يمكنك تصنيفه ونسبته لأنواع المقالات المعروفة (خبري أو تحليلي أو علمي – حسبما يكتبه الكتاب الثقال  أو حتى مذكرات ويوميات) فهو هجين متهافت لا يقيم دليلا ولا يملك أسلوبا

فموضوع المقال وأفكاره تدور حول إدانة العملية الأخيرة ضد الجنود المصريين في سيناء

وبدلا من بحث الأمر في ضوء المشكلات والأخطاء الناجمة عن السياسات المتشابكة في سيناء سواء بالمعالجة الأمنية الفاشلة التي تؤدي كل حين لثغرات تبتلع الجنود وقتلهم بدم بارد بشكل متكرر والبحث عن أوجه التقصير في أتون فشل واضح في حمايتهم من قبل القيادات

وهو في النهاية يتحدث عن جريمة حدثت وعن نكسة أصابت هي نتيجة معالجات خطائة وتقصير متكرر  وربما خيانة

 لكنه يقلب الأمر إلى وصلة مديح وثناء دون مبرر ويملأه بنعوت مغالية مستفزة مثل: (زعيم وقائد من طراز فريد، لا يترك شيئًا للمصادفة)

 وأيضا: (وكيف تنال من معنوياتنا، ونحن نرى حولنا ما يحدث من معجزات في كل المجالات)

فأين تلك المعجزات من كل هذا الفشل والتردي والعوز الذي يعترف به السيسي أنه لا يقدر على إطعام الناس ولا تعليمهم ولا تطبيبهم بل ويطالبهم دوما بالصبر وأكل ورق الشجر

وخلا المقال من الإشارة إلى  أسباب كثيرة لهذا الصراع مثل استفزاز الممنهج للمواطنين فيالمنطقة وإهمال سيناء وتهميش أهلها وتخوينهم

 وهو ما يضم يوميا كارهين جدد وناقمين وموتورين إلى صفوف المناوئين للنظام على اختلاف انتماءاتهم وردود أفعالهم بما يذكي الصراعات وردودها بين الأطراف

وبدلا من البحث عن أسباب جوهرية لاضطهاد أهل سيناء (عمق الدولة المصرية في مواجهة العدو الصهيوني بالشرق) لإيقاف هذا الهدر؛ فّإذا به يتغاضى عن الحدث ومدلولاته ومشاكله ليحيله لمنظومة المدح والبطولة والأدوار المقدسة!

من جهة الشكل والصياغة وأسلوبها نقول:

كيف نتوقع مقالا مهنيا بينما أخطاء الأسلوب الصياغي وركاكته -والتي لا تليق برئيس تحرير جريدة عريقة- لا تخطئها العين وتؤسي على هذا التدني بعد أن جلس على هذا المقعد كتاب ومهنين كبار حتى لو اختلفنا معهم في الفكر

كاتب يكتب في جريدة ترأس تحريرها: هيكل وأحمد بهاء الدين وعلي حمدي الجمال وعبد العظيم حماد وعبد الناصر سلامة وكتب فيها : نجيب محفوظ وطه حسين وزكي نجيب محمود وأنيس منصور وفهمي هويدي وإدوارد سعيد وغيرهم

(وبالطبع نختلف مع كثير من أفكارهم لكن من ناحية الأداء والقوة فقد كانوا علامات بلا شك)

أمثلة تلك الصياغات الغائبة عن السواء قوله:

(ولما لا يعيش كل مواطن آمنًا، مطمئنًا على تراب أرض وطنه) والجملة صياغة أولها خطأ وتصويبه (ولم – وليس ولما) ثم الجملة برمتها مقحمة في سياق المقال فلا هي أدبية بليغة ولا هي علمية رصينة ولا حتى صحيحة !

ومثل ذلك في جملة طويلة من حوالي 10 أسطر تتوه بحثا عن جواب المقدمة لتجد جوابا فارغا لتلك المقدمات في قوله: وبعد أن قدم رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة تعازيه..

ثم استطراد 

وبعد أن وجه رسالته ذات المغزى والمعنى إلى جيش مصر وشعبها..

ثم في الأخير بعد أن يتوه القارئ يقول: دعا السيسي لاجتماع!  الخ الوهدات الصياغية

فالمقال ليس فيه سوى الادعاءات المرسلة وكيل المديح فلا تحليل ولا مضمون ولا حتى صياغة سليمة !

في حقيقة الأمر لقد أثبت هذا الإعلان الولائي الدعائي (المقال تجاوزا) أن طفلا يكتب موضوع تعبير في المرحلة الابتدائية يمكنه صياغة مقال أفضل أسلوبا وأرشد أفكارا وأضبط لغة من هذا المنسوب لرئيس تحرير الأهرام!

قداسة في كل شيء:

المقال يكشف عن مستوى الكتاب والصحفيين الذين يدنيهم النظام في مرحلة غريبة يمنع فيها كتاب ومفكرين كبار بل يعتقلون ويتهمون ؛ويترك المجال للمداهنين وأنصاف الصحفيين والذين يسعون باستفزاز لإضفاء (القداسة) فضلا عن الوطنية على النظام

(راجع عنوان المقال: المهمة المقدسة)

وقوله فيه: السيسي، زعيم وقائد من طراز فريد، لا يترك شيئًا للمصادفة، ولا يتنازل عن أي جزء من مهمة (الواجب المقدس)

مقدس كذلك!

وقوله: بإرادة قائد وهب نفسه في (حرب مقدسة)

وتلك مقدسة ثالثة!

وهو هنا يردد نفس أفكار السيسي الذي يرى أن الله ابتعثه وأنه أفهمه وألهمه (ففهمناها سليمان)  وأنه رزقه البركة اوأنه طبيب الفلاسفة وأن العالم يسمع له وينتظر حكمته إلى آخر تلك الهرتلات

حتى الشعب هو أيضا: يؤمن بقيادته!

مقدسات متتالية واستخدام لعبارات دينية للترويج ولمساندة المتهرئ

 انضم المقال بفجاجة إلى قائمة المطبلين وإعلاميي النفاق الذين يطفح بهم الواقع المصري ليقلب التقصير إنجازا والأخطاء وطنية والفشل نجاحا

ولتصبح الدنيا ربيع والجو بديع على الورق وبواسطة إهالة التراب على جثث الأبرياء ليواروهم -وهيهات- ولا عزاء للجنود ولا أهالي سيناء جميعا عندهم

بينما العقلاء يدركون عواقب تلك المخادعات التي لا تخيل على أحد!