زواج السيدة عائشة والصراع بين الثقافة الغربية والإسلامية «رؤية حضارية ولغوية»

ياسر أنور

أثارت تصريحات المتحدث باسم الحزب الحاكم الهندي عن زواج النبي من أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها،

أثارت غضب العالم الإسلامي، مع ردود فعل متباينة إزاء هذه التصريحات،

ولم تخل تلك الردود (بعيدا عن الغضب والمظاهرات) من فكرة المناقشة الثقافية والموضوعية لما طرحه المتحدث باسم الحزب الحاكم،

فهناك تيار ثقافي إسلامي يرى أن زواج النبي من عائشة  في هذه السن تمثل نقطة ضعف،

من الصعب تجاوزها إلا بتأويل حديث عائشة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة،

وكان تأويلهم يدور في إطار (تخطئة عائشة)، وأن العرب تختلف كثيرا في تقدير سنوات بعض الحوادث،

وأن هذا الخطأ (في التقدير) قد يصل إلى عدة سنوات.

ونقول

لكننا نذكرهم فقط بأن هناك فرقا بين أخطاء تقدير (الحوادث)، وأخطاء تقدير الشخص (لسن نفسه).

كما أننا إذا فتحنا باب (تخطئة) السيدة عائشة أو تخطئة (الرواة) في تقدير سن الزواج، فإن ذلك سوف يفتح أبواب التخطئة في أحداث أخرى،

وستكون بعض التشريعات عرضة للطعن من منطلق تخطئة رواتها.

وهناك تيار آخر يرى أن مشكلة زواج عائشة لم يكن لها وجود قبل ظهور الحداثة الغربية،

وأن الأقدمين أنفسهم لم يتعرضوا لهذه الحادثة، لأنها تتفق مع أعرافهم.

كما أن الزواج في هذه السن بشكل عام هو أمر (نسبي) يختلف باختلاف الأعراف الاجتماعية،

والمجتمع العربي كان مجتمعا قبليا وأميا،

فلا توجد مدارس ولا جامعات كما هو حال عصرنا، فلا مبرر لديهم لانتظار الفتاة حتى (تنهي دراستها الجامعية أو الثانوية)،

وأن من الخطأ محاكمة عصر بمعايير عصر آخر،كما أن فعل النبي يدل على (الجواز) فقط لا على (الاستحباب) ولا (الوجوب)،

وما دام النبي لم يوص بسن معينة للزواج، فالأمر متروك للعرف المتغير.

ويبدو أن هذا الرأي فيه كثير من الوجاهة والموضوعية، وخاصة إذا كانت هناك زيجات أخرى مشابهة في المجتمع العربي بل والمجتمعات الأخرى.

وقد ذكر بعض المؤرخين أن سن الزواج في تلك العصور كان يتراوح بين ثمان إلى تسع سنوات.

وينبغي أن نلفت النظر إلى أن هناك صراعا ثقافيا غربيا في مواجهة الثقافات الأخرى وخاصة الإسلامية،

ومنها صراع الحجاب وزي المرأة والصراع حول حقوقها ومساحة هذه الحقوق، وأن العقل الغربي يصر على ممارسة هيمنته الثقافية وفرض رؤيته هو على ثقافات الآخرين دون احترام لفكرة التنوع الثقافي،

فالعقل الغربي يريد تحويل (النسبي) إلى مطلق، وهو أمر فيه كثير من الاستعلاء والعجرفة الثقافية.

فالإسلام في حالة الزواج لا ينظر إلى (سن الفرد)، كما يصر العقل الغربي، بل ينظر إلى (حالة الفرد) نفسه،

فالعبرة في الإسلام بالبلوغ والاستعداد الجسدي والنفسي، وهي معايير تتسم بالمرونة حسب كل مجتمع وثقافته وبيئته،

فالمجتمعات القبلية التي لا تمارس حياة (الحداثة) يناسبها تلك المعايير،

أما المجتمعات الحداثية، فمن حقها هي أيضا أن تختار طريقتها دون إملاءات ثقافية أو استعلاء حضاري مزيف.

فالإسلام إذن أكثر مرونة من العقل الحداثي الغربي الذي يتسم بالجمود  والتطرف والإصرار على فرض سن معينة.

 ومع ذلك،

فيمكننا إثارة جدل لغوي حول حديث  سن زواج عائشة الذي يرفضه الحداثيون انتصارا لروايات أخرى تعتمد على (مفهوم) النص ضد (منطوق) النص،

وهي قضية أصولية خطيرة، لذلك فنحن نقدم لهم طريقة أخرى لتأويل حديث عائشة ،بدلا من تخطئة عائشة أو الرواة،

فحديث (تزوجني النبي وأنا بنتُ ستِّ سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين)،

وذلك بنطق (ستَّ سنين) بالنصب على الظرفية، وتسع سنين كذلك، مع تنوين كلمة (بنتٌ)،

ويكون المعنى تزوجني النبي وأنا بنت بكر مدة ست سنين،

وبني بي وأنا بنت بكر مدة تسع سنين، وقد ثبت بالفعل أن مدة زواج النبي من عائشة في المدينة حوالي تسع أو عشر سنوات،

كما أن مدة الخطوبة تتراوح بين خمس إلى ست سنوات،

فالمقصود من حديث عائشة هو ذكر مدة الخطوبة ومدة الزواج لا سنها هي،

وعلى الرغم من أن التأويل التقليدي هو الأكثر قبولا واتفاقا مع  زيادات بعض الألفاظ في  روايات أخرى،

لكننا نقدم هذا التأويل لمن ينحازون إلى الثقافة الغربية، والذين يعتبرون أن زواج عائشة نقطة ضعف غير مقبولة.