السيسي وترامب

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية ( 2/4/2017) : إن لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقب مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب الاثنين “ينعقد في لحظة بلغت فيها حقوق الإنسان الحضيض في مصر، وأصبحت فيها مهددة في الولايات المتحدة”.

وقالت المنظمة ومقرها نيويورك إن قوات الأمن المصرية “في عهد السيسي اعتقلت عشرات الآلاف من المصريين، وارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وتشمل التعذيب والإخفاء القسري، وربما عمليات إعدام ميداني خارج نطاق القضاء”.

ولم يصدر أي تعليق من جانب الحكومة المصرية حتى الآن على هذا التقرير. لكن القاهرة قالت من قبل إن هيومن رايتس ووتش “ليس لديها مصداقية، سواء بالنسبة للرأي العام المصري، أو لدى العديد من دول العالم، بسبب ما دأبت عليه المنظمة من ترويج للأكاذيب ومعلومات مغلوطة.

وقالت “سارة مارغون” مديرة مكتب المنظمة في واشنطن: “دعوة السيسي إلى واشنطن في زيارة رسمية فيما يقبع عشرات الآلاف من المصريين وراء القضبان، ومع عودة التعذيب نهجا طبيعيا للتعامل، هي طريقة عجيبة لبناء علاقة استراتيجية مستقرة”.

وأضافت المنظمة بأن السيسي الذي انتُخب في مايو 2014 “أشرف على الإفلات شبه الكامل من العقاب للجيش والشرطة وعلى القيود المشددة على الحريات المدنية والسياسية، ما أدى إلى محو مكتسبات انتفاضة 2011.”

ونقول :

  لا بأس من لقاء الرجلين لمرة ثانية  وأن يغدق ترامب على السيسي ” عبارات حنونة ” كما وصفته سابقا إحدى الوسائل الإعلامية عن زيارة للسيسي معه سابقا، فبينهما تشابه كبير في الفكر والأهداف.

 وفي الحقيقة فإننا ندرك حاليا أن الحكومات لا تعبأ ولا الأنظمة القمعية المشابهة لها لا بمنظمات حقوق الإنسان ولا كذلك بمبادئ حقوق الإنسان نفسها ؛ فقد أدركنا مع ممارسات الأنظمة المختلفة.

 إن أمريكا على سبيل المثال هي التي قامت بحروب كثيرة لم تعبأ فيها بأي حق من حقوق الإنسان حيث ارتكبت القوات المسلحة الأمريكية جرائم حرب في أوقات متعددة ومحددة في تاريخها. غالبية هذه الجرائم تندرج تحت قوانين المحكمة الجنائية الدولية واتفاقيات جنيف وقوانين الحرب الموجودة في القانون الدولي. و يمكن ملاحقة جرائم الحرب من خلال قانون جرائم الحرب لعام 1996 في الولايات المتحدة، ولكن حكومة الولايات المتحدة لا تقبل بسلطة المحكمة الجنائية الدولية على قواتها العسكرية.

 خذ مثلا جرائم الحرب العسكرية في الفلبين. حيث قُتل ما يقرب من 1 مليون و500 ألف مدني..قنبلتي هيروشيما ونجازاكي وقتل فيها مئات الآلاف ومرورا بحروب دعمتها وأبادت آلاف بل ملايين من البشر مثل الحروب مع فيتنام مثلا حيث بلغت أعداد جرائم الحرب الموثقة لدى البنتاجون 360 حادثة. ليس من ضمنها مجزرة ماي-لاي، والتي راح ضحيتها وحدها 347-504 مدني في فيتنام الجنوبية، أغلبهم نساء وأطفال في 16 مارس 1968.

 ومن ضمن جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام استخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول والقرى، مثل الرش البرتقالي والأزرق والأخضر.

 مثال لك عملية رانش-هاند والتي وقعت سنة 1962 واستمر تأثيرها حتى 1971. وكانت فيتنام قد ادعت سنة 1995 أن عدد القتلى في الحرب بلغ 5 مليون، 4 مليون منهم مدنيين عُزّل. في حين كان وزير الدفاع حينما ماكنامارا قال في لقاء متلفز لاحقا أن عدد القتلى 3 مليون 400 ألف.

وفي وقتنا المعاصر ظهرت العديد من جرائم الحرب على يد القوات الأمريكية في حق المدنيين في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن والصومال، في صور قصف جوي ضد مدنيين عُزل أو اغتصاب النساء والرجال أو قتل أسرى حرب أو تعذيبهم وانتهاك آدميتهم أو إبادة جماعية أو استخدام أسلحة محرمة دوليا. حيث قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بالادعاء

في 2005 أن “مسؤولية القيادة” قد تجعل كبار المسؤولين مع إدارة بوش مذنبين بجرائم حرب، سواء أكان ذلك بعلمهم أو كان بأشخاص تحت مسؤوليتهم. ولم يتم حتى الآن إجراء تحقيق عالي المستوى في الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية في فترة ما يُسمى “الحرب على الإرهاب” بداية من 2001 إلى اليوم.. فيما قدرت بعض الجهات أن قتلى العراق على سبيل المثال بلغ 2 مليون مدني منذ بداية الحرب في 2003.. فالنظامين متورطان في انتهاكات حقوق الإنسان بشكل يجعل اجتماعهما هو اجتماع لمجرمين وليس لمسؤولين محترمين.

 وبالنسبة للنظام المصري فتعتبر إنتهاكات حقوق الإنسان تتم بصورة دورية في الأقسام والمعتقلات السياسية، إلا إنه تزداد حدته كلما أزداد الحراك السياسى في الشارع المصري، مثل حركة الشارع في 18 و 19 يناير عام 1977 وإنتفاضة عساكر الأمن المركزى عام 86 وما تبعها من مقتل عدد من عساكر الأمن المركزى لإنهاء تلك الإنتفاضة، وما جرى في المعتقلات أثناء محاربة الحركات الجهادية في التسعينات، وإزدادت حدة التعذيب في السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس محمد حسنى مبارك، وطالت مشاهير المعارضة، وأشتهر جهاز أمن الدولة المصري بوجود عمليات تعذيب منظمة داخله وتعتبر أشهر حادثتى تعذيب في عهد مبارك هى حادثة خالد سعيد وحادثة سيد بلال وهما من أهم أسباب قيام الثورة المصرية في 25 يناير، ورغم أن أحد أهم مطالب الثورة هو إيقاف التعذيب في الأقسام و المعتقالات، إلا أن عمليات التعذيب وإنتهاك حقوق الإنسان قد استمرت ولم تتوقف وتوجد الكثير من حوادث إنتهاكات الجماعية، مثل ما حدث في المتحف المصري في 9 مارس 2011، وقد فتح حكم المجلس العسكرى فيما بعد الثورة الباب على تعرض المدنيين للمحاكمات العسكرية، ولم يتوقف الأمر عند المحاكمات العسكرية للمدنيين فقط، بل تجاوز ذلك بكثير، فقد تعرض أغلب المقبوض عليهم لعمليات تعذيب شديدة، ظهر مصطلح جديد على الحياة المصرية وعلى مجال إنتهاكات حقوق الإنسان فقد اعترفت قيادات في الجيش المصري بإجراء كشوف عذرية للسيدات  أثناء التحقيق معهم.

 وفي الحقيقة هناك فرقا نلفت النظر إليه بين النظامين في قضية انتهاك حقوق الإنسان  فعندما ننظر إلى جرائم النظام المصري مقارنة بما ارتكبته أمريكا سنرى أنهم مجرد تلاميذ في تلك المدرسة، بينما الفرق فقط أن غالبية تلك الجرائم والانتهاكات قديما وحديثا كانت توجه لأطراف خارجية

نعم هناك حرب إبادة للهنود الحمر وكانت هناك ممارسات عنصرية مجرمة ضد السود بشكل خاص لا تزال تمارس إلى الآن

لكن النظام المصري الذي يشارك الطغاة في الخارج جرائمهم ضد الشعوب العربية تفوق في هذا الصدد ومارس في خمس سنين ما لم تمارسه السلطات الأمريكية ضد شعبها منذ نشأتها

ويكفي أن آلاف المصريين قتلوا ظلما ويقدره البعض بحوالي عشرة آلاف والموثق منه يقترب من الألفين ولا نية على الإطلاق لمحاسبة أيا من المسؤولين عن تلك الجرائم

فضلا عن ابتداع تهم تلفيق القضايا للمعارضين ثم ادعاء أنه لا يحتجز شخص دون تهمة بينما التهمة نفسها ملفقة فما أيسر أن يدان شخص بما لا يقنع عقل عاقل إما لاستحالة ذلك عمرا أو عقلا أو نفسيا

ولكننا نقول في النهاية أنه مهما استقوى أي نظام بما في يده من قوة وبطش فإن الأيام دائرة وسيأتي وقت ليس بعيدا في عمر الزمن تحاسبهم الشعوب جراء ما اقترفت أيديهم مع ما ينتظرهم بعد ذلك من الحساب عند رب يقول لهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) سورة الشعراء