في موقع بوابة الأهرام بتاريخ الثلاثاء 2 مايو 2023 وتحت هذا العنوان «كارتر.. الذي نفتقده!» خط الكاتب أسامة سرايا ما يلي:

تذكرت عمودا مهما للدكتور عبد المنعم سعيد عن الرئيس الأمريكي التاسع والثلاثين (جيمى كارتر)، وهو بالنسبة لي من أعظم الرؤساء الأمريكيين فى التاريخ، رغم أنه لم يحكم الولايات المتحدة إلا دورة واحدة (١٩٧٧-١٩٨١)، وهو بالنسبة لمصر والمصريين له وضعية خاصة في تاريخهم الحديث.

في عام ١٩٧٨ لعب كارتر الدور الرئيسي في التوسط بين السادات وبيجين بـكامب ديفيد في محادثات السلام بين مصر وإسرائيل، وهو الشق الدبلوماسي والسياسي المهم في تحرير الأراضي المصرية المحتلة بعد ١٩٦٧ (من سيناء حتى قناة السويس) بعد الشق العسكري الذي تم بالعبور العظيم في حرب عام 1973، وفى سنوات الثمانينيات كانت معركة مصر السياسية والدبلوماسية ترحب بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المصرية، ولم يتبق إلا طابا، التي تمت بعد ذلك بالتحكيم الدولي.

نفتقد كارتر،

وسياساته في ظل صراعات المنطقة العربية هذه الأيام، وفى ظل أزمتين حادتين تعيشهما منطقة الشرق الأوسط الآن (الأولى حرب جديدة في السودان، والثانية تحكم اليمين المتطرف في إسرائيل)، وكان للرئيس كارتر موقفان محددان في مثل هذه القضايا المماثلة، فهو مع الحق، والعدل، والسلام، الأول ساعد في إنهاء حرب جنوب السودان من خلال مركزه للسلام، والثاني حذر الرئيس الأسبق في رسالة عام ١٩٨٠ قبل مغادرته البيت الأبيض من وصول المتطرفين في إسرائيل إلى الحكم هناك، وهذا ما يحدث الآن، وذكر بوضوح لا جلاء فيه أنه يقضى على الحل الوحيد لإنهاء الصراع.

تذكرت كارتر وأن أزوره في عام ١٩٨٨ لكي أعبر له عن حبي، وشكري لدوره في بلدته جورجيا، وأجلس إلى جواره وهو يقود الجرار في مزرعته، ويعمل بها كمزارع، حيث يزرع الفول السوداني، وهو يتكلم عن المزارعين المصريين بامتنان، ومحبة، وأنهم أمهر المزارعين في العالم.

تذكرت كارتر الذي يدخل عامه المائة، فهو أطول الرؤساء الأمريكيين عمرا، ويقضى حاليا أيامه الأخيرة، وهو الذي اهتم بنا في مصر، والشرق الأوسط، وتمنيت أن تكون مصر أول بلد في العالم يكرم الرئيس الأمريكي العتيد، والمخلص قبل رحيله.

ونقول:

* كملاحظة كتابية لا ندري من السياق هل يقصد الكاتب أنه تذكر رأي زميله في الأهرام الدكتور عبد المنعم سعيد فكتب هو هذا المقال؟ أم أنه نقل المقال عن سعيد دون إضافة منه؟

وأيا ما كان الأمر فإن (سرايا وسعيد) كلاهما له نفس الرأي حسبما نفهم من المقال والعهدة على كاتبه…

دعنا نعود للخطوط الأساسية للمقال:

– كارتر أعظم رؤساء أمريكا (وساقها دون إشارة إلى أنه من وجهة نظرهما) وله وضعية خاصة بالنسبة للمصريين بشكل خاص

 وتعليقا على هذا نقول ان مؤرخي الرئاسة الأمريكية وفي استطلاعات وفي احتفال بما يسمى يوم الرئيس بتاريخ 21 فبراير المحتفل به في البيت الأبيض( يوم ميلاد جورج واشنطن المؤسس ) لم يرد اسم كارتر في أي ترتيب ولو بعد العشرة الأهم حسب القائمة والتي تشمل: لينكولن – واشنطن – فرانكلين روزفلت – تيودور روزفلت – إزنهاور – وحل كذلك الرئيس هاري ترومان سادسا، وتوماس جيفرسون سابعا، وجون كينيدي ثامنا، ورونالد ريغان تاسعا، وليندون جونسون في المرتبة العاشرة، وفق ترتيب المؤرخين.

فأين كارتر -صاحب الولاية الواحدة– بين هؤلاء المجمع عليهم بين الأمريكيين ليتسنى لنا تمرير ادعاء الكاتب أنه (أهم رؤساء أمريكا) هكذا ولم يجملها كعادة المبالغين بإضافة وصف (من أهمهم!)

عموما بواب عمارة بيتنا بالنسبة للسكان أهم بواب عمارة في الدنيا!

-مما ذكره الكاتب كميزة لكارتر:

توسط كارتر بين السادات ومناحم بيجين رئيس وزراء الكيان الصهيوني على إثر المعركة الدبلوماسية والسياسية التي أعقبت معركة أكتوبر 1973م

وكأن كارتر كان وسيطا وليس محركا ومنفذا لخطة دولته من خلال الكيان الصهيوني

والحق أن كارتر ورط السادات وسحبه إلى جانب مصلحة إسرائيل وحقق إملاءات أمريكا على الطرفين رعاية لمصالحها العليا بالسيطرة على تلك المساحة الجغرافية والكتلة البشرية الإستراتيجية

ولا تزال بنود معاهدة كامب ديفيد غير منشورة أو معلومة لدينا لكنها ببساطة غلت يدنا ومنعتنا من الاستفادة من سيناء بشكل طبيعي وحظرتنا عن التواجد فيها وفرقت بين الأشقاء العرب وساهمت في ترسيخ الكيان وتسلطه فهذا كله مما اقترفت يد كارتر ولا ينفي مسؤولية السادات

– ويمضي الكاتب نقلا عن كارتر أنه يحذر من وصول متطرفين للحكم في الكيان الصهيوني

فهل كان (بيجين) الذي عامله كارتر وتحكم فيه أقل تطرفا من نتينياهو؟! كلام استهلاكي

بيجين الصهيوني منذ صغره مؤسس (منظمة أرجون) الإرهابية منفذة مجزرة دير ياسين والمشارك في مجازر صبرا وشاتيلا واحتلال جنوب لبنان والذي يصف الفلسطينيين بأنهم وحوش تمشي على الأرض والذي كان يعد بإسرائيل العظمى من الخليج إلى المحيط (كامل المنطقة العربية وليس من النيل إلى الفرات كما وعد غيره)

بيجن هذا كان خاتما في إصبع كارتر الذي كان منسقا له ليفعل ما تريده الإدارة الأمريكية التي تحرك كلب الحراسة والتي تبارك كل تلك الممارسات القذرة لفرض وجود الكيان اللقيط وحمايته

وماذا عن شامير وبيريز وشامير وعن ايهود باراك وعن أولمرت هل كانوا حملانا مثلا ؟ كلهم متطرفون..

إن تاريخهم طافح بالمجازر والمثالب والتسلط والعدوان وقتل الأبرياء واحتلال الأرض وقد كانوا سمنا على عسل مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تحفظ لهم كيانهم اللقيط الذي لولا تلك المساندة لما بقوا للآن

فهم ليسوا إلا نزاعا من المشردين تم زرعهم لتحقيق تلك الأهداف العالمية عامة والأمريكية خاصة

 فالأصل أن أمريكا مؤثرة وداعمة ومتسلطة على الكيان وكل قياداته (راجع انصياع الكيان لأوامر الأمريكان في حرب الخليج الثانية بعدم الرد على صدام وغير ذلك)

– قول الكاتب: كارتر مع الحق والعدل والسلام

فهل حقق كارتر الحق والعدل والسلام حقا ؟ أو حتى كان داعيا إليه راعيا له ؟

صحيح أنه يرأس ما يسمى ( بمجلس الحكماء العالمي ) والذي حاول التوسط في بعض القضايا بين الكيان وبين السلطة الفلسطينية أو بينها وبين حماس أو بعض الجهود لمشكلة سوريا واللاجئين وبين سوريا والعراق لكنه باء بالفشل في كل ذلك فهل كان دوره كعادة الوسطاء لفرض الأمور أو التسويف؟

 ومع افتراض توفر حسن النية أحيانا لكن الأمر في حقيقته يؤول لعدم الخروج عن الخطوط المرسومة والحدود الموضوعة من قبل القوى العالمية وسياسات الدول داخليا

لذا لا أدري ما حقيقة وصفه أنه (مع الحق والعدل ) بشكل مخلص لكن أي معية تلك وماذا أفادت سابقا أو لاحقا ؟ كلامنا السابق يغني فلا نكرره هنا

– أما التي تثير في الذهن شجونا بعد أن زار الكاتب كارتر في مزرعته التي يقضي تقاعده فيها بعد بلوغه المائة يزرع الفول السوداني ويذكر المزارعين المصريين بامتنان وثناء

وان طرحنا فكرة ذكره بالثناء على المصريين – الذين نرى أنه أجرم في حقهم بشروط كامب ديفيد وغيرها – إلا أننا لا يفوتنا أن نلمح ولو شيئا إيجابيا خارج ملاحظاتنا وهو أن الرجل تقاعد كغيره من الرؤساء والموظفين العموميين وهي لا تحدث في دولنا كما نعلم، وأنه كان نشيطا فاعلا لم يستسلم للشيخوخة وكل ذلك جيد كنشاط بشري لكن ذلك لا ينفي جرائمه ومكره

– وأخيرا يتمنى الكاتب أن يكرم المصريون كارتر المخلص قبل رحيله ليكون أول بلد عربي يفعل ذلك ولا أستغرب من هذه المطالبة فالقوم تربوا على مدح الأسياد ورؤيتهم بعيون غافلة أو معجبة أو قل خائنة لمجرد انخداع ببعض المظاهر عن جوهر الأمر وقيمته وحقيقته.

د. ياسر عبد التواب